منوعات

من هم خصوم جيمس بوند؟

عام 1962، حين صدر أول أجزاء سلسلة جيمس بوند السينمائية Dr.No، عن الجاسوس الإنجليزي الذي يحمل رقماً رمزياً هو 007، كانت الحرب التي اصطلح على تسميتها بالـ”باردة” في أوجها بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفييتي، ولأنها “باردة” فلم يكن الانتصار الواضح حليف أي من الطرفين واستمرت ربما لعقودٍ.

السينما كانت متأثرة جداً في ذلك الوقت بالمناخ السياسي، خصوصاً بفكرة “الجواسيس المزروعين بيننا”، والتي تبنتها الحملة “المكارثية”، بقيادة السيناتور الأميركي جوزيف مكارثي، واتهمت المئات من الشخصيات، من أدباء وفنانين ومواطنين عاديين، بالـ”شيوعية” والتجسس لصالح دول معادية، ليصبح السؤال الملح هو “من معنا ومن ضدنا؟” و”كيف نعرف ذلك إن كان الجميع متشابهين”، وهي أفكار أثرت بقوة على السينما والأفلام، ويمكن من خلال هذا السياق مشاهدة فيلم Invasion of the Body Snatchers للمخرج دون سيجل عام 1956 الذي يحكي عن هؤلاء الذين حولنا في كل مكان ولكنهم ينتظرون اللحظة المناسبة للهجوم.

في تلك اللحظة تحديداً ظهر جيمس بوند سينمائياً إلى الحياة في Dr.No عام 1962، ليحقق على شاشة السينما تلك الانتصارات التي لا يمنحها الواقع، هو بطل إنجليزي حليف، له نفس الأعداء، ويقوم بالتخلص منهم. تنمية قوية في الوعي الجمعي، محلياً وعالمياً، عن أننا بخير ونسيطر على الأمور ولدينا عملاء مخابرات وجواسيس على هذا القدر من الإتقان، ليصبح “جيمس بوند” هو النموذج الذي يقفز إلى ذهن أي شخص عند الحديث عن “عميل مخابرات”، وبالتالي من الذي يقلق حين يكون لديه 007؟ إنه الجندي المناسب حين تكون الحرب (باردة).

ولفترة طويلة في أفلام السلسلة الأولى كانت روسيا أو الاتحاد السوفييتي هي الخصم المباشر الذي يعمل ضده جيمس بوند وينفذ عملياته، أحياناً تتم الإشارة إلى كوبا في ظل صعود فيديل كاسترو رئيساً، وأحياناً يكون الخصم من أصول تنتمي لأميركا الجنوبية، الصين تظهر في الصورة، ولكن الخصم الأعم والأكبر الذي نذهب لأجله في كل مرة هو خصم سوفييتي بمؤامرة (نووية) على الأغلب، مثل “دكتور نو” و From Russia with Love عام 1963، في ظل الهوس النووي الذي غلف الحرب، وأحياناً أخرى هو أمر يتعلق بالفضاء أو الأقمار الصناعية مثل Diamonds Are Forever عام 1971.

لاحقاً، وحين هدأت الأجواء العالمية التي تخص الحرب، صار هناك شيء في أفلام جيمس بوند له علاقة بالـ”طرف الثالث”، العنصر الذي يحاول التدخل لإشعال الحرب بين القوتين العظميين، يمكن رؤية ذلك بوضوح في فيلم The Spy Who Loved Me عام 1977، حيث يحاول “بوند” الوصول إلى الطرف الذي سرق غواصة نووية سوفييتية وأخرى بريطانية بهدف ضرب موسكو ونيويورك ولندن وإشعال الحرب بين الأطراف كلها، أو في Octopussy عام 1983 الذي يحاول “الخصم الشرير” فيه تدمير قاعدة جوية لأميركا في ألمانيا الغربية لتسحب قوات “الناتو” نفسها من هناك وتشعل حرباً جديدة.

مع انهيار الاتحاد السوفييتي، بشكل سياسي أولاً ثم رسمياً، لم يعد الخصم السوفييتي مهماً بالنسبة لأفلام جيمس بوند، سارت الأمور على نحو مختلف له علاقة باللحظة التاريخية، حرب بترولية مثلاً في Licence to Kill عام 1989، صراع تحل فيه الصين محل الاتحاد السوفييتي في Tomorrow Never Dies عام 1997، أو كوريا الجنوبية في Die Another Day عام 2002.

في الأجزاء الأخيرة من جيمس بوند، بدءاً من بطولة دانيال كريدج للسلسلة في عام 2006، صار الأمر مختلفاً، الخصم في تلك الحالة لم يعد مرتبطاً بدولة، ولكنه (المجهول) ذاته، وأصبح الاعتماد على التكنولوجيا الحاسوبية.. (الحرب الحديثة) التي لا مكان فيها لجاسوس كلاسيكي مثل جيمس بوند، يمكن النظر إلى ذلك بوضوح في الجزأين الأخيرين اللذين أخرجهما سام مندير، في Skyfall عام 2012 تكون الخدعة الرئيسية للخصم هي اقتحام البيانات الخاصة بالعملاء السريين لبريطانيا والكشف عنهم إعلامياً مما يضع الحكومة وM في ورطة. أما في Spectre فإن المنظمة الإجرامية العالمية تحاول السيطرة على العالم من خلال برنامج إلكتروني ضخم ممول من عدة حكومات يسمى “العيون التسع”، ومنظمة “الشبح” لا تظهر بأنها تتبع دولة معينة، على عكس ظهوراتها في الأجزاء الأولى كمنظمة سرية حليفة أو تابعة لروسيا، ولكنها هنا لا تتبع أحداً.. هي (المجهول) وهي حرب النظم المعلوماتية التي يحاول “بوند” في الأجزاء الأخيرة أن يثبت وجوده كعميل مخابرات كلاسيكي بينها.

المصدر : العربي الجديد 

زر الذهاب إلى الأعلى