أكد باحثون أميركيون أن الخوف من الرياضيات ليس سلوكا فطريا يولد الإنسان وهو مزوّد به، وإنما يتعلمه من وسطه العائلي والمدرسي. وأشاروا في دراستهم التي أجروها على عينة تتكون من حوالي مليوني طفل، إلى أن الرياضيات تسبب الخوف والقلق لنصف الأطفال في الولايات المتحدة، وقد تجلى ذلك في صفوف الإناث وخصوصا اللاتي تدرسن هذه المادة معلمات.
واعتبروا أن الآباء يمثلون أيضا جزءا كبيرا من هذه المشكلة، فمن خلال حرصهم الشديد على إنجاز أبنائهم واجبات الرياضيات أكثر من غيرها من المواد، يمررون مخاوفهم التي كانوا يشعرون بها وهم أطفال بطريقة غير مباشرة إلى أبنائهم.
وكشف البرنامج الدولي لتقييم التلاميذ الذي تجريه منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية كل ثلاث سنوات لقياس جودة الأنظمة التعليمية في البلدان، أن تلاميذ شانغهاي قد تفوقوا للمرة الثانية على التوالي على التلاميذ الأميركيين والبريطانيين واليابانيين، فيما حل تلاميذ دولة الإمارات العربية المتحدة في المرتبة الـ51، وتصدر التلاميذ التونسيون المرتبة الأولى عالميا في الخوف من مادة الرياضيات، التي مثّلت أبرز المواد التي سجّلوا فيها إخفاقا كبيرا، وفق ما أعلنت عنه المنظمة انطلاقا من قياسها لقدرات التلاميذ في مجالات القراءة والرياضيات والعلوم.
وأوضح علماء نفس ألمان، أن الأحكام المسبقة التي يتلقاها الأطفال منذ عمر الست سنوات عن الرياضيات يمكن أن تخلق لديهم حالة من الرهاب، محذرين من التأثير السلبي لذلك على مستقبلهم الدراسي ونموهم النفسي. وأشاروا أيضا إلى أن طريقة تقييم المدرِّس للتلميذ تكون مؤثرة في نظرة الطفل إلى نفسه أو إلى قدراته.
وكشفت الأبحاث التي أجريت في هذا المجال، أن نظرة الأطفال إلى أنفسهم تتأثر إلى حد كبير بنظرة آبائهم ومدرسيهم إليهم، وبالتالي فإنهم يخضعون للرأي القائل إن التفوق في الرياضيات دليل على الذكاء، فيما يمثل الإخفاق فيها دليلا على الغباء.
وفي السنوات الأخيرة تمكن العلماء من دراسة البعد النفسي لهذه الظاهرة، فتوصلوا إلى أنه على الرغم من أن الرياضيات لا تنطوي على أي خطورة نفسية، إلا أن لها تأثيرا جسديا حقيقيا.
وتوصلت إحدى الدراسات إلى أن توقع وانتظار امتحان رياضيات، يؤدي إلى تفعيل نشاط مصفوفة الألم في الدماغ، وهي المناطق الدماغية التي تعمل بنشاط في حالة التعرض للإيذاء الجسدي.
وذكرت بعض الأبحاث أن القلق من الرياضيات والمعادلات الحسابية قد يؤدي إلى نوع من الرهاب (الفوبيا) تجاه المسائل الرياضية، إلى درجة أن بعض الأشخاص يتفادون التفكير بالأرقام وإجراء معادلات بسيطة مثل الجمع والطرح.
وفي عام 2012 أظهر مسح ضوئي لأدمغة أطفال بين سن السابعة إلى التاسعة في الولايات المتحدة الأميركية، أن الذين يشعرون بالخوف من الرياضيات يكون الدماغ لديهم أكثر نشاطا في المناطق المسؤولة عن الشعور بالتهديد، والتي تظهر على شكل لوزتين. كما أظهرالمسح أن المنطقة الدماغية التي تقع خلف العينين مباشرة، وهي المسؤولة عن تحليل النتائج، تصبح أقل نشاطا بفعل الخوف، وهو الأمر الذي يعني خفض مستوى أداء الذاكرة القصيرة.
وذلك يجعل الأطفال يجدون صعوبة في التركيز على التعامل مع الأرقام التي بين أيديهم. وأحد التفسيرات هو أن القلق هو الذي يعيق قدرتهم على جمع الأرقام.
ويمكن لبذرة الخوف تلك أن تأتي من عدة مصادر، لكن أحدها يأتي من حرص آبائهم الشديد وخوفهم من إخفاق أبنائهم في الرياضيات، تماما كما كان الحال معهم عندما كانوا تلاميذ.
وبإمكان الأطفال أن يشعروا ما إذا كان الكبار متوترين، ويبدأون بدورهم في البحث عن مصدر الشعور بالخطر. وبناء على ذلك، فإن الآباء الذين كانوا في صغرهم يشعرون بالتوتر تجاه قدراتهم في الرياضيات، سيمررون مخاوفهم عن غير قصد إلى أبنائهم.
ولكن بغض النظر عن مصادر هذا الشعور بالتوتر من الرياضيات، فإن نتائج ذلك يمكن أن تكون وخيمة على الأطفال مستقبلا، إذا لم تتم السيطرة على هذه المخاوف في وقت مبكر.
وأكد باحثون بجامعة “شيكاغو” أنهم وجدوا من خلال دراستهم رابطا كبيرا بين النجاح في الرياضيات ونشاط المناطق الدماغية المسؤولة عن ضبط الانتباه وتنظيم ردود الأفعال العاطفية السلبية. وأشارت الباحثة المسؤولة عن الدراسة سيان بيلوك، إلى أنه بإمكان الأساتذة والطلاب استخدام هذه النتائج لتحسين أدائهم في الرياضيات.
وقالت إن “التمارين الصفية التي تساعد التلاميذ على التركيز والمشاركة في مهمة حسابية يدوية، قد تساعد على التخلص من الأداء السيء الذي يتسبب فيه القلق من الرياضيات”. ودعت “الذين يقلقون من هذه المادة الحسابية، إلى التركيزعلى السيطرة على مشاعرهم، من أجل تحقيق النجاح فيها”.
ودعا الخبراء الآباء الذين يشعرون بقلق من احتمال فشل أبنائهم في مادة الرياضيات، إلى التعامل بإيجابية مع أطفالهم وتبسيط الأمور الحسابية لهم قبل دخولهم إلى المدرسة. ونصحوا المعلمين بضرورة إتاحة الفرصة لتلاميذهم لتعلّم الرياضيات من خلال تطبيقها عمليا وليس من خلال التركيز على “النظريات العلمية”.
ونوه الباحث ديف برات من جامعة لندن، بأهمية استخدام وسائل التعليم المبتكرة والاعتماد على التكنولوجيا لمساعدة التلاميذ على التفاعل بدرجة أكبر. ورحب مايك إليكوك من المركز الوطني لمهارات الحساب بهذا المقترح كوسيلة للمساعدة على تعزيز مهارات التلاميذ.
وقال في هذا الشأن “مشكلة الرياضيات أنها يتم تدريسها بصورة لا علاقة لها بالأطفال، ولذا نجدهم لا يعرفون مدى ارتباطها بحياتهم، حيث تُعرض من خلال مبادئ مجردة بعيدا عن الخبرات”. وأشار إلى أن استخدام الرسوم المتحركة قد يساعدهم على إدراك أهمية العمليات الحسابية في حياتهم. واقترح أن يطلب من التلاميذ في المراحل المتقدمة، التعامل مع المسائل الرياضية مع الوضع في الاعتبار الأبعاد الأخلاقية.
وعلى سبيل المثال، فإن القرارات الخاصة ببناء قرية أو إسداء مشورة طبية لأحد الأشخاص يتدخل فيها العنصر الحسابي، إلى جانب اعتبارات أخلاقية وتكاليف اجتماعية. وقال إن هذا الأسلوب يختلف عن الطريقة القديمة في التعامل مع المسائل الرياضية والتي كانت غير مرتبطة بالحياة العملية للأطفال في الكثيرمن السمات.
المصدر : العرب