قصصٌ كثيرة تتناولها الصحف التونسية أو يردّدها المواطنون، كالعثور على أطفال في سلال المهملات، أو على مقربة من المستشفيات وغيرها. إذ عادة ما تلجأ الأمهات العازبات إلى التخلص من أطفالهن خوفاً من الفضيحة، باعتبار أنهن حملن بهم خارج إطار الزواج. يقدّر عدد الأطفال الذين يولدون خارج إطار الزواج بنحو 2000 سنوياً، بحسب المعهد الوطني للإحصاء. علماً أنه لا يتم تسجيل بعض هذه الولادات، التي قد تحصل في مصحات خاصّة أو في المنازل. كذلك، تعمد بعض الأمهات إلى الادعاء بأنهن متزوجات.
على الرغم من أن بعض الأمهات لا يخفين حملهن، إلا أن كثيرات يلجأن إلى الاختفاء أو الصمت خوفاً من الفضيحة. حتى إنهن قد ينجبن من دون علم أهلهن. فاطمة هي أم لطفلة تبلغ من العمر اليوم 10 سنوات. سمتها مرام. كانت على علاقة بوالدها استمرت عامين، لكنه رفض الزواج منها أو الاعتراف بابنته. فكرت في التخلص من الطفلة، لكنها لم تفعل. انتقلت للسكن في مدينة أخرى خوفاً من الفضيحة ورفض المجتمع لها. تقول إنها سعيدة بابنتها. لكنّها في المقابل، تشعر بالذنب لأنها ليس لديها أب وعائلة.
من جهتها، اختارت نجيبة أن تنجب طفلتها من دون علم أحد. حتى اليوم، ما زالت تخفي عن عائلتها الأمر، خاصة بعدما عجزت عن إقناع والده بأن يتزوجها ويعترف بالطفل. كذلك، رفضت اللجوء إلى القضاء خوفاً من الفضيحة، على حد قولها. تضيف: أنها فكرت في الزواج أكثر من مرة، لكن جميع الذين تعرفت إليهم تراجعوا حين علموا أنها أم لطفل خارج إطار الزواج.
أمل
عادة ما تكثر هذه الولادات في العاصمة والمناطق الساحلية الشمالية، خاصة في محافظات سوسة والمنستير ونابل والحمامات، نظراً لكثافة السكان على الشريط الساحلي، بحسب الناشط في “جمعية أمل للعائلة والطفل” هيثم محفوظ. أيضاً، يشير إلى أن غالبية هذه الولادات تتم خارج المستشفيات العامة ومن دون علم عائلة الفتاة، مضيفاً أن “الحمل عادة ما يكون نتيجة علاقة عاطفية بين المرأة وصديقها، ونسبة قليلة منهن بسبب تعرضهن للاغتصاب”. وغالباً ما تتراوح أعمار النساء ما بين 18 و30 عاماً.
في هذا السياق، توضح المديرة التنفيذية لجمعية “أمل”، سامية بن مسعود، لـ”العربي الجديد” أن “الجمعية تعمل على تقديم المساندة النفسية والقانونية وضمان حقوق الأم والطفل”، مشيرة إلى أن “غالبية الأمهات اللواتي توجهن للجمعية غير متزوجات، وقد تم حملهن نتيجة علاقات عابرة”. تعمل جمعية “أمل” على إيواء هؤلاء النساء اللواتي يرغبن في الاحتفاظ بالجنين، لفترة محددة. وتلفت بن مسعود إلى أنه في “عام 2008، تم إيواء 46 أماً مع أطفالهن”. لكن يبقى تدخل الجمعية محدوداً لعدم قدرتها على إيواء كثيرات، وعدم توفر الإمكانيات اللازمة. وإيماناً منها بأهمية أن يبقى الطفل مع والدته، تعمد الجمعية إلى التدخل في بعض الحالات ودعم قرار الأم العازب الاحتفاظ بطفلها. وتقول بن مسعود إن “79.3 في المائة من الأمهات العازبات احتفظن بأطفالهن”.
قانون 1998
أعطى قانون عام 1998، المتعلّق بإسناد لقب العائلة للأطفال مجهولي النسب، الحق للأم التونسية في إثبات نسب طفلها الذي أنجبته خارج إطار الزواج الرسمي. وينص القانون على أنه بإمكان الأم العازب رفع قضية أمام المحاكم المختصة تطالب فيها بإلحاق النسب بطفلها إذا تمكنت من إثبات الأمر بطرق عدة، بينها التحليل الجيني أو وجود شهود، ما يمكّن الطفل المولود خارج إطار الزواج من إثبات نسبه.
وبعدما أصبح قانون 28 أكتوبر/تشرين الأول عام 1998 نافذاً، صار يمكن إثبات نسب الطفل المولود خارج إطار الزواج، ما يجعل رابطة قرابة الدم بينه وبين أبيه قائمة، بالتالي يصبح أحدهما ابناً والآخر أباً. في المقابل، ما زال كثيرون يسألون عن مدى أحقية الطفل في أن يرث والده. تجدر الإشارة إلى أن المشرّع قد تغافل عن ذكر الميراث حرفياً في نص القانون، كإحدى مظاهر ثبوت البنوة، خلافا لبقيّة المظاهر الأخرى التي تترتّب على إثبات رابطة الدم بين الابن وأبيه.
تجدر الإشارة إلى أن القاضي محمد العفيف الجعيدي كتب في المفكرة القانونية أن نظام إسناد اللقب العائلي يبقى دوره قاصراً عن تأمين حقوق الأطفال. فالهوية الافتراضية لا تحقق للطفل المهمل حق التمتع بأسرة محددة، خاصة أن القانون يقوم على فكرة إثبات البنوة التي ينكرها أحد الأبوين بواسطة التحليل الجيني، ما يجعل منه أداة قانونية لإثبات الهوية تعجز عن تحقيق الدفء العائلي.
العربي الجديد – وطن اف ام