من المفترض أن يأخذ النازحون السوريون دور البطولة في عملين اثنين يجري اليوم تصويرهما. الأول، في سورية هو “بانتظار الياسمين” للمخرج سمير حسين والكاتب أسامة كوكش، والثاني “غداً نلتقي” الذي يصور في منطقة جبيل اللبنانية للمخرج رامي حنا عن نص كتبه بالاشتراك مع الفنان إياد أبو الشامات.
لا تغيير على نحو عام بالشكل الذي سيتناول من خلاله المسلسلان الأحداث الدائرة في سورية منذ آذار/مارس 2011 وتطوراتها التي انتهت إلى حرب مستعرة، ألقت بالكثير من السوريين في مخيمات النزوح في سورية والدول المحيطة، فضلاً عن عشرات من الدول اللجوء.
فالحكاية الدرامية في كل مرة ستبقى تربض عند تداعيات الحرب، وأثرها الاقتصادي والاجتماعي والنفسي على حياة الناس ويومياتهم. وحين توغل في النقاش السياسي لما حدث ويحدث في سورية، فهي في الغالب ستجعل من السيناريو الدرامي مساحة التقاء لاتجاهين متعاكسين، بين مؤيد ومعارض، يأخذ فيها الحوار التلفزيوني شكل طاولة حوار بين السوريين، وهي الطاولة ذاتها التي لم تفلح أي من المبادرات السياسية في عقدها على أرض الواقع حتى الساعة.
ولأن حكايتي العملين ستكونان لسان حالٍ لم ينته بعد، أي النزوح السوري، ولم يزل ما يحاكيانه من أحداث حاراً ومستمراً، سيكتفي بالغالب صناعهما باقتفاء آثار الواقع وتوثيق حكايات واقعية لأشخاص حقيقيين لا افتراضيين، بعد سكبها في قالب درامي وإخضاعها للشرط التلفزيوني بعيداً عن نشرات الأخبار والأفلام الوثائقية.
في مسلسل “بانتظار الياسمين” ستنمو الحكاية في حديقة صغيرة، جمعت وسط البرد القارس، عدداً من مهجري الحرب وقد أصبحت، أي الحديقة، عنواناً مؤقتاً لإقامتهم بعدما خسروا كل شيء، وذلك بحسب البيان الترويجي للعمل.
أما مسلسل “غداً نلتقي”، فتنقل مصادر إعلامية عن كاتبه إياد أبو الشامات قوله إنّ أحداثه ستدور في مدرسة مهجورة في جبال لبنان، تجمع عدداً من اللاجئين السوريين، وذلك انطلاقاً من صراع بين شقيقين فرّقت بينهما المواقف السياسية والحرب.
الحديث عن ضحايا النزوح والحرب إثر الأحداث الأخيرة في سورية لن يكون الأول في العملين، على كل حال، فقد سبق وتناولته عدة مسلسلات خلال العامين الأخيرين. ففي مسلسلي “سنعود بعد قليل” و”حلاوة الروح” طرح كاتبهما رافي وهبي، وإن على نحو خجول، حكايات لعدد من ضحايا النزوح، وعلق بالأذهان منها حكاية بائعة الورد “مريم” في مسلسل “سنعود بعد قليل” بوصفها صورة واضحة عن ضحايا الحرب غير المعلنة.
قامت حكاية هذا الأخير بالأساس على حكاية عائلة نجيب التي سيلتحق عدد من أفرادها، بأخوتهم المقيمين في لبنان بسبب الظروف التي تمر بها بلادهم. وعاد الكاتب وهبي في “حلاوة الروح”، ليدخل أجواء النازحين السوريين في لبنان عبر شخصية الدكتورة “ربى” التي ستقترب من واقعهم الصعب وتتعرف إلى عدد منهم في رحلة بحثها عن ابنتها.
أما نازحو الحدائق في الداخل السوري، فقد سبقوا وظهروا العام الفائت من خلال لوحات مسلسل “وطن حاف” للمخرجين محمد فردوس أتاسي ومهند قطيش، تأليف عدة كتاب. وكانت مسلسلات “قلم حمرة” و”حائرات” و”تحت سماء الوطن” كما “سنعود بعد قليل” قد تناولت حكايات لنازحين من ميسوري الحال أو الطبقة الوسطى ممن لم ينزحوا إلى المخيمات أو يفترشوا الحدائق والطرقات على النحو الذي سيفعله المسلسلان الجديدان.
الجديد في تناول النازحين السوريين في مسلسلي “بانتظار الياسمين” أو “غداً نلتقي”، هو مركزية قصة هؤلاء ومعاناتهم اليومية وحكايات ما عاشوه قبل النزوح أو بسببه ، وهو الأمر الذي سيحيلنا بدوره، ومجدداً، إلى جرعة عالية من تراجي – كوميديا تتناول الحدث السوري من الناحية الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية، وكل ذلك سيكون مغلفاً بحكايات إنسانية، بينها قصص حب وكره وجشع وعطاء.
حكايات سيصر عليها صناع هذه الدراما باعتبارها الإطار الأكثر ملائمة لطرح حكايات الوجع السوري دون تقاطع مع نشرات الأخبار، أو مقاطعة لجمهور بعينه دون الآخر من الفرقاء السوريين اليوم.
وبالنظر إلى مضمون العملين، فهما يصلحان لأن يكونا جزأين لحكاية واحدة هي نزوح السوريين، للداخل والخارج، في ظل الحرب العبثية التي تعيشها بلادهم اليوم، وربما ينقصهما جزء ثالث عن حالة الاغتراب السوري في البلاد الأوروبية ولا سيما حال أولئك الذين قضمهم البحر، كما أن عنواني العملين بدورهما سيحيلاننا إلى حالة واحدة هي حالة الترقب والانتظار والأمل… وتلك هي حالة السوريين اليوم بالغالب.
يبقى الاختلاف بين العملين، وهنا نتحدث عن الإطار العام للحكاية لا تفاصيلها، هو اختلاف طبيعة النزوح بين داخلي إلى مدن سورية أخرى، وآخر خارج الحدود وما يملي واقع كل منهما من حكايات مختلفة، رغم أن أسباب النزوح واحدة.
ثمة اختلاف ثان بين العملين، سيكون في جرأة الطرح وسقف المسموح به بين عمل يصور في سورية وآخر يصور خارجها، وإن كنا نرجح أن يكتفي العملان برد سبب ما يحدث إلى ضمير غائب، أو اللعب في منطقة وسطى ومشتركة بين الفرقاء السوريين، على اعتبار ذلك أفضل وسيلة لمخاطبة كل السوريين دون إقصاء أي جزء منهم، وهي الوسيلة ذاتها التي اتبعها من قبل كل المسلسلات التي تناولت الحدث السوري، وإن أظهر كل منها على حدة تعاطفاً مع طرف دون آخر.
يذكر أن “غداً نلتقي” من إنتاج كلاكيت للإنتاج الفني ويؤدي أدوار البطولة فيه عدد من النجوم السوريين، عرف منهم مكسيم خليل، كاريس بشار، عبد المنعم عمايري، عبد الهادي الصباغ وآخرون.. كما يشهد عودة المخرج حاتم علي إلى التمثيل. ومن المنتظر عرض العمل على قناة “أم بي سي” رمضان المقبل.
أما مسلسل “بانتظار الياسمين” فتنتجه شركة ايه بي سي، ويضم على قائمة أبطاله: سلاف فواخرجي، غسّان مسعود، صباح الجزائري، أيمن رضا، شكران مرتجى، محمد حداقي، أحمد الأحمد، محمود نصر، سامر إسماعيل، نادين خوري، زهير رمضان، جيانا عيد، حسام تحسين بيك، وآخرين.
العربي الجديد _ وطن اف ام