بأوجه أخفت قساوة الزمن ملامحها، ومسح الدهر تقاسيمها، وبأجساد أجبرتها تجارب الحياة على العياء، وبابتسامة عريضة وكلمة طيبة، يستقبل نزلاء المركز الاجتماعي للمسنين، بالعاصمة المغربية الرباط (شمال)، كل زائر لهم، وكل سائل عن أحوالهم.
اختلفت الأسباب التي دفعت كل مسن ومسنة للالتحاق بدور العجزة، ما بين من وجد نفسه وحيدا بلا أهل بعد عمر طويل، ومن أفاقت لتكتشف أن أولادها اقتادوها لدار العجزة، ومن تعرض للتشرد ولم يكن أمامه إلا أن يلجأ إلى هذه الدار.
لكن هذه الأسباب ولو أنها لن تنسى، إلا أنها لم تمنعهم من حياة اجتماعية جديدة، حيث يحاول العديد منهم، خلق جو يعوض حضن العائلة والأبناء، واللجوء إلى أنشطة ترفيهية وثقافية، كالرسم والكتابة والطرز…إلخ، جعلت بعضهم يكتشف مواهب خاصة لم يكن يعلم بها، بحسب مراسل وكالة الأناضول.
رقية الصحراوي، هي إحدى هؤلاء المبدعين، فقد اكتشفت موهبتها في الرسم قبل 6 أشهر بمساعدة وتدريب أستاذ لها بالمركز الاجتماعي للمسنين.
بوجه شاحب وسمع ثقيل ونبرة صوت حادة، تحكي الأم السبعينية، ذات الأصول الصحراوية (جنوبي المغرب)، لـ”الأناضول” أنها كانت تعمل بداية في حياكة الزرابي (السجاد)، بمدينة فاس (شمال)، لتنتقل بعد ذلك إلى العمل بفندق كطاهية، واستمرت في تلك المهنة، حتى سن الستين، حيث قام رب عملها بإيقافها عن العمل.
ومع تزايد تكاليف الحياة، وعدم قدرتها على أداء إيجار المنزل، انتقلت للسكن بدار العجزة، بمدينة الرباط.
يقول حسان تعلبة، الأستاذ بالمركز لـ”الأناضول”: “في أيامي الأولى بالمركز، كانت رقية (الصحراوي) تريني رسومات بسيطة، ما جعلني أحس بموهبتها في الرسم”.
ويضيف تعلبة أن العديد من الرسامين لم تظهر موهبتهم حتى سن متقدم كالفنانة الشعيبية طلال (فنانة مغربية ذات شهرة عالمية)؛ ما جعله يهتم بموهبة الصحراوي، ويوفر لها كل لوازم الرسم من أوراق وصباغة وأقلام.
ويمضي قائلا: “أحاول أن أساعدها من أجل إعطائها الثقة في النفس لتنطلق بموهبتها وتظهرها للعالم”.
بفارغ الصبر، وبشوق كبير، تنتظر الرسامة الصحراوي، كل يوم متى يبزغ الفجر ويصل الصباح، وتفتح قاعة الأنشطة أبوابها، لتأخذ عدتها وتبدأ في تجسيد ورسم ما حددته من أفكار في رأسها الليلة السابقة.
تقول: “عوضا عن أن أشاهد التلفاز أو أبادل الحديث مع أحد، أقوم بقراءة آيات بينات من الذكر الحكيم، وأحدد في رأسي ماذا سأرسم”.
وتضيف: “أحس براحة كبيرة خلال قيامي بالرسم، أحس أن لي حياة جديدة، أن لي هدف، بل لم أحس يوما أني كبيرة في السن”.
ونالت الصحراوي جوائز وشواهد تقديرية عديدة، وشاركت بالعديد من المعارض على المستوى الوطني، كان آخرها معرض ببلدية الرباط.
ومركز المسنين بالرباط تابع لمؤسسة محمد الخامس للتضامن (مؤسسة يرأسها العاهل المغربي) يقطنه حاليا 20 مسنا و19 مسنة، ويشرف على تسييره مكتب مكون من مجموعة شركاء بينهم جمعيات مجتمع مدني.
وسبق للمندوبية السامية للتخطيط (حكومية) أن أكدت في بيان لها، بمناسبة اليوم العالمي للسكان، أن عدد الأشخاص المسنين (60 سنة فما فوق) بالمغرب قد يصل إلى حوالي 10 ملايين شخص بحلول 2050.
ويقدر عدد الأشخاص المسنين بالمغرب حاليا نحو 3 ملايين مسن، حسب تقرير حديث لصندوق الأمم المتحدة للسكان.
ويحتل المغرب، بحسب التقرير المرتبة 83 من ضمن 96 بلدا، فيما يتعلق بأوضاع المسنين، تبعا لـ13 مؤشرا يرتبط بجودة الحياة، ونسبة الفقر، والحالة الصحية، والعمل، والتربية، والبيئة، والعلاقات الاجتماعية.
كذلك، يحتل المسنون في المغرب مرتبة متأخرة مقارنة مع بلدان أخرى في العالم، لناحية معياري الصحة والتربية، بحسب التقرير.
قسم الأخبار – وطن اف ام