منوعات

أغاني الأم يطويها الغياب ..

افتقاد أي ملمح من ملامح حضور الأم في الأغنية العربية حاليّاً؛ بات ظاهرة مركباً عليها شهرة المطرب قبل أي شيء، ولذلك خلا الإحساس من أي عمل يُقدم حاليّاً (إلا فيما ندر)، وكأن (مطربي وشعراء وملحني) هذه الأيام باتت (الأم) لديهم تنحصر أهميتها ووجودها بين حرفين (ألف وميم)، حالها كحال أي أغنية مركونة، أصلاً، في درج المكتب حروفها “معلبة”، ونوتتها الموسيقية “مزركشة” داخل معطف دافئ مرسوم عليه قلب يخترقه سهم، في نهايته حروف مكسرة منقوش عليها بتواضع “أحبك يا أمي”.

من هذا الباب نتساءل، لماذا لم تشتهر أي أغنية حديثة تتعلق بالأم، لأي كان من المطربين الذين يملأون الشاشات والساحات ضجيجاً، رغم أنهم تباروا في إبراز تعلقهم بالأم، ولا تفوتهم أي مناسبة أو حوار أو لقاء، ليقدموا أغنيات سطحية اللغة، رديئة الموسيقى، إطارها العام ينحصر بين حرفين (ألف وميم).

ولماذا نجوم كبار كـ(عمرو دياب، ومصطفى قمر، وتامر حسني، ورامي عياش) وغيرهم، حتى من قدموا أغنيات للأم من المطربين المعاصرين لم يستطيعوا تقديم أغنية تبقى، مقارنة بترويدة “غوار الطوشي”، دريد لحام (يا مو. يا مو. يا ست الحبايب يا مو).

كثيرة هي النماذج التي تغنت بالأم، وكثيرة هي الأغنيات التي بقيت تخترق إحساسنا، وكبرنا ولم تكبر هذه الأغنيات، وشخنا ولم تشخ هذه النماذج وبقيت وليدة لحظتها، وما أكثر هذه اللحظات، فحين نحنّ للأم تقفز إلى الذاكرة رائعة الثلاثي فايزة أحمد وحسين السيد ومحمد عبد الوهاب “ست الحبايب يا حبيبة”، أو ننحاز للحزن كما مع مارسيل خليفة ومحمود درويش في “أحن إلى خبز أمي”، أو نذرف دمعاً ساخناً على أغنية سعدون جابر من كلمات كريم العراقي (أمي يا أم الوفا).

يتضح مما سبق، ومما نسمع هذه الأيام، أن الأغنية الموجهة للأم، تنحصر في باب تأدية الواجب ليس إلا، فهي بالكاد تصلنا مع الضجيج الحاصل الذي يحيط بالأغنية، فأغاني زمان يبدو أنها لم تعد تناسب الجيل الحالي، ولا تتقاطع مفاهيم العولمة المتغلغلة فينا بأي حال من الأحوال، مع أي أغنية تحرك المشاعر والأحاسيس وتُذرف من أجلها الدموع.

وحتى أُم هذه الأيام، انصرفت إلى لهوها ومرآتها التي تتجمل أمامها على وقع وصدى آلات نحاسية وأصوات تُحسنها آلات كهربائية، فتحول أنكر الأصوات إلى أجملها، فما عادت أي مناسبة “حتى لو كانت للأم” تغري مغنيّاً لعصر روحه وإحساسه ليقدم شيئاً من قلبه، أو حتى يفكر مرتين قبل أن يعلن عن أغنيته “المدمرة”.

من هنا أقول: هل ننصرف كما مراهقينا لترديد أغنية سمعتها، ذات يوم، عن الأم، تقول كلماتها: (معيش أجيب ليكي هدية يا ماما. إن شاء الله أعدم عينيه يا ماما. يا ماما أعملي معروف. زوديلي شوية المصروف).

محمود الخطيب – العربي الجديد – وطن اف ام 

زر الذهاب إلى الأعلى