بحثت حلقة اليوم من برنامج “في العمق”، قضية بدء القضاء النمساوي، بالاستماع إلى ضحايا ومُدعين سوريين يقيمون في النمسا، رفعوا مع حقوقيين سوريين، دعاوى ضد شخصياتٍ أمنية وعسكرية من نظام الأسد، واتهموهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
فبعد نحو أربعة أشهر على دعوى قدمها حقوقيون سوريون، بالتعاون مع مراكز حقوقية أوروبية، إلى المدعي العام بالنمسا، تتعلق بجرائم ارتكبت في سورية، بدأ الادعاء العام في النمسا خلال الأسبوع الأول من شهر سبتمبر/أيلول الجاري، بالاستماع إلى المُدّعينَ والضحايا، وهو ما اعتُبِرَ أنه خطوة أولى في قبول القضاء النمساوي النظر بالقضية والتحقيق فيها.
والادعاء في هذه القضية، تم تقديمه ضد أربعٍ وعشرين شخصية، من ضباط أمن وجيش الأسد، متهمين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وبالاعتقال التعسفي والتعذيب والإخفاء القسري وقتل المُعتقلين.
وتم تقديم الدعوى بالنمسا من قبل حقوقيين سوريين، نهاية شهر مايو/أيار الماضي، بالتعاون مع المركز الأوروبي للدستور وحقوق الإنسان في برلين، ومركز إنفاذ قانون حقوق الإنسان بفيينا، والمركز السوري لحرية التعبير.
وبحسب الحقوقيين السوريين الذين قدموا الدعوى، فإنهم يأملون في أن تُفضي، لإصدار المحكمة النمساوية مذكرة توقيف بحق المتهمين من ضباط الأسد، على غرار قرار المدعي العام الألماني في شهر يونيو/حزيران الماضي، إصدار مذكرة توقيف ضد قائد مخابرات الأسد الجوية جميل حسن، على خلفية الدعاوى التي تم تقديمها أمام القضاء الألماني من قبل المركز الأوروبي للدستور وحقوق الإنسان وحقوقيين سوريين.
وأجرى مراسلو “وطن اف ام” استطلاعاً للرأي، بمشاركة عددٍ من السوريات والسوريين، حيث تم سؤالهم: “بعد أن أصدر قبل أشهر المدعي العام الألماني مذكرة توقيف بحق قائد المخابرات الجوية في نظام الأسد جميل الحسن، بدأ الادعاء العام في النمسا، بالاستماع لضحايا من سورية، في قضايا تتعلق بجرائم ضد الإنسانية ارتكبها مسؤولون من نظام الأسد. وفي ظل انعدام أي طريق قانوني دولي آخر، أمام الحقوقيين السوريين الذين يسعون لتطبيق مبدأ المحاسبة والمسائلة في سورية، فإلى أي حد تعتقدون أن هذه المسارات القضائية في المحاكم الأوروبية، قد تفضي لإجراءاتٍ حقيقية ضد مسؤولي نظام الأسد ومجرمي الحرب المتورطين في جرائم كبرى؟.
وكانت وجهات النظر في معظمها، داعمة للجهود الحقوقية المبذولة، في هذا الشأن، رغم أن العديد من المشاركات والمشاركين، قالوا بأن تحقيق العدالة في سورية مسألة من الصعب تحقيقها، بسبب تداخل السياسي بالقانوني، ولتعقيدات القضية السورية، والدعم الكبير الذي يتلقاه النظام من حلفائه في مجلس الأمن الدولي.
واستضافت حلقة اليوم من البرنامج، المحامي أنور البني، وهو مدير المركز السوري للأبحاث والدراسات القانونية، الذي كان موجوداً بالنمسا، حيث أن المركز الذي يديره، قدم بالتعاون مع منظمات ومراكز حقوقية، الدعوى للمُدعي العام النمساوي.
وقال الحقوقي السوري لـ “في العمق”، إن “المركز السوري للأبحاث والدراسات القانونية، بالتعاون مع مراكز حقوقية أوروبية، اعتمد على وجود الصلاحية العالمية، المعتمدة لدى بعض الدول الأوروبية، والتي تجعل من قضائها المختص، بمثابة محكمة الجنايات الدولية.. بالإضافة إلى اختصاصه بالجرائم التي تقع ضمن الاتفاقيات الدولية واعتبرتها الأمم المتحدة في مرتبة عالية مثل التعذيب والاختفاء القسري بالإضافة إلى العنف الجنسي”، مضيفاً أن “هذا الاختصاص موجود في بعض الدول الأوروبية مثل ألمانيا والنمسا، بالإضافة إلى السويد والنرويج. في ألمانيا استهدفنا 27 شخصية عالية المستوى من نظام الأسد، وهم مسؤولون عن ارتكاب مثل هذه الجرائم، وفي النمسا استهدفنا شخصيات مختلفة”.
وقال البني إن الدعاوي التي تم تحريكها “في ألمانيا استهدفنا فيها فروع الأمن العسكري، والتي هي فروع الموت، كفرع فلسطين وفرع المنطقة وسرية المداهمة، بالإضافة للمحاكم الميدانية وضباطها، والمشافي العسكرية (تشرين والمزة) بالإضافة للشرطة العسكرية المسؤولة عن السجون العسكرية مثل صيدنايا، حيث ارتكبت مجازر كبرى بحق المعتقلين وإعدامهم وحرق جثثهم في بعض الأحيان”، مضيفاً أنه “في النمسا استهدفنا شرائح أخرى، مثل شخصيات من ضباط مطار حماه وفي درعا ودمشق وحلب وغيرها. نحاول أن ندين جميع المسؤولين عن هذه الجرائم. ونحاول في النرويج والسويد استهداف عدد آخر مختلف من المسؤولين عن هذه الجرائم”.
وحول توقعات الحقوقيين السوريين من تحريك هذه الدعاوى، قال الحقوقي السوري، إن “الحد الأقصى هو إصدار مذكرة توقيف، وتأتي بعد القبض على المتهم إجراءات المحاكمة وغير ذلك”، معتبراً أن “المسألة الأهم هي إقرار المجتمع الدولي بأن هؤلاء مجرمون، ولا يمكن السماح لهم بأي شكل من الأشكال في أن يشاركوا في بناء مستقبل سورية، وهذا هدف أول من أهداف عملنا، وهو السعي لحصول اعتراف عالمي بأن هذا النظام مُجرم، لا يمكن أن يفكر أي شخص في العالم أن يُعيد التعامل معه، أو يشركه في بناء مستقبل سورية”.
وحول نتائج الاستطلاع الذي تم بثه خلال الحلقة، اعتبر البني أنه “من الطبيعي جداً أن يشعر الشعب السوري بالإحباط. طبيعي ومبرر، لأن سبع سنوات ونيف من المَقتلة في سورية، لم تتحرك أي جهة أو قوة لوقف هذه المجزرة وإنقاذ ما تبقى من سورية والشعب السوري. الجميع لديهم الحق بالإحباط”، متابعاً حول جهود الحقوقيين السوريين في هذا السياق، بأن “ما قمنا به هو إجراء استثنائي لم يحصل سابقاً عبر التاريخ، ليس له سوابق حتى يقوم الناس بتقييمه بالفعل. معظم السوريين يعتقدون أن هذا العمل ربما هو مجرد محاولة لإثبات هذه الجرائم.. وهذا جيد برأي معظم السوريين لأن أي محاولة لفضح هذه الجرائم هو عمل جيد، وأنا أريد أن أؤكد أن ما نقوم به، يحصل لأول مرة في التاريخ، ولم يسبق بأن جرى في أيٍ من المجازر التي ارتكبت سابقاً إن كان في روندا أو يوغسلافيا ولا بأمريكا الجنوبية. هذه أول مرة يقوم قضاء وطني بالتحرك والتصدي لمهمة محكمة الجنايات الدولية”.