جنات رمان وتمر .. هكذا كانت قرى ريف البوكمال قبل أن تقصف وتدمر ويموت زرعها نتيجة حرب شرسة دارت رحاها على ترابها.
لفقرة (شو في بالبلد) تحدث مراسل وطن إف إم “محمد ناصر” عن البساتين بريف البوكمال فقال: “عندما نتحدث عن البساتين تلقائيا تأخذنا الذاكرة إلى بساتين (السوسة، العرقوب، البوبدران، موزان، الباغوز والشعفة) بريف البوكمال قرب الحدود السورية العراقية.
وأضاف ناصر أن جميع هذه القرى كانت تعد رئة الجزيرة نظرا لاحتوائها على عدد هائل من الأشجار، التي فقدتها وباتت عاجزة عن تنقية الهواء وعن سد حاجات ساكنيها من الفاكهة، أما بالنسبة لأعمار الاشجار فهي موجودة منذ عشرات السنين، وتشتهر المنطقة بزراعة الرمان منذ عهد مملكة ماري التي تقع آثارها في قرية الصالحية بريف البوكمال.
وتعد أرض ريف البوكمال خصبة منتجة لكافة المحاصيل، كالقمح والشعير و الشمندر السكري والقطن والذرة فضلا عن إنتاج الخضروات بكافة انواعها وفق ما يقول مراسلنا، موضحا أن “بساتينها تحتوي على أشجار الرمان خاصة والتي اشتهرت بها قرية السوسة، حيث كان يزرع فيها الرمان بمساحة قدرت بثلاثة آلاف دونم، تضم أكثر من 150 ألف شجرة ويصل متوسط إنتاج الشجرة إلى 75 كيلوغرام سنوياً.
ويتميز رمان السوسة بخصائص فريدة منها إمكانية تحويله إلى “دبس الرمان”، و له خاصية بأن نسبة حموضته هي 50٪، كما أن لون دبس الرمان يبقى نفس لون حبة الرمان، وتشتهر هذه المنطقة أيضا ببساتين النخيل نظرا لقربها من العراق، كما تزدهر فيها زراعة اللوزيات و الدراق والمشمش.
وأكد ناصر أن معاناة هذه المنطقة بدأت في أواخر عام 2013، عندما بدأ بعض الشبان بسرقة وتعطيل مضخات مياه الري، وبالتالي أصبح المزارعون يعانون من إيصال المياه الى الحقول الزراعية، بعد ذلك عمد المزارعون إلى سقاية محاصيلهم وبساتينهم عن طريق جر مياه الري من نهر الفرات بواسطة محركات ديزل و بجهود شخصية ما أدى إلى تراجع زراعة المحاصيل الصيفية نظرا لحاجتها المتكررة للري، في حين استمر المزارعون في عملهم ضمن الحقول القريبة من نهر الفرات.
وبعد سيطرة داعش على المنطقة في نهاية عام 2014 قامت بتفعيل محطات ضخ المياه وعادت الزراعة الى سابق عهدها، ولكن ما إن قامت قسد وقوات التحالف بفرض الحصار على مناطق سيطرة داعش حتى بدء الإنتاج الزراعي بالهبوط، حيث شهدت المنطقة ارتفاعاً في أسعار المحروقات وفقداناً شبه تام للأسمدة العضوية والكيميائية، حيث كانت قسد وقوات التحالف تمنع دخول الأسمدة إلى مناطق سيطرة داعش خوفا من استخدامها في صناعة المتفجرات.
وأشار مراسلنا إلى أن بعض المزارعين غادر المنطقة بداية الحصار الذي فرض على داعش في نهاية عام 2017، في حين بقي بعضهم حتى اللحظات الأخيرة من انهيار داعش وجرى نقلهم إلى مخيم الهول شمالي الحسكة.
وبحسب “ناصر” كانت مقاتلات التحالف الدولي تستهدف البساتين في ريف البوكمال نتيجة اختباء عناصر داعش والأهالي داخل البساتين واعتمادهم على ثمارها في تلك الفترة بعد فقدان المواد الغذائية المتزامن مع تضييق الخناق من قبل قسد على المحاصرين في مناطق سيطرة داعش، وبالتالي فإن غالبية البساتين تركت عام ونصف العام دون سقاية أو عناية ومتابعة من الحشرات والآفات الضارة، فضلا عن القصف المركز، موضحا أن البساتين اليوم تلفظ أنفاسها الأخيرة.
ونوّه ناصر إلى اعتماد الأهالي طوال فترة الحصار على أنفسهم في تأمين محركات ديزل لضخ مياه نهر الفرات الى البساتين، حيث كانوا يعانون جدا من تأمين المحروقات وقطع التبديل للمحركات، الأمر الذي أجبرهم على تقنين عدد مرات الري، ما انعكس سلبا على الإنتاج، وحتى اليوم مازال الأهالي يعتمدون على محركاتهم الديزل، لكن ما اختلف هو توفر المحروقات وتوفر قطع التبديل.
وقال ناصر في هذا الصدد: “غالبية الأهالي في تلك المناطق هم في طور التأسيس، نتيجة لفقدانهم منازلهم وغالبية ممتلكاتهم اثر المعارك التي دارت هناك بين قسد مدعومة بقوات التحالف من جهة وبين داعش من جهة ثانية”
وأضاف: “تتركز طلبات الأهالي حاليا على إعادة تأهيل محطات مياه الشرب وشبكات الصرف الصحي والمدارس والمستوصفات ، كما أن المجالس المدنية في تلك المناطق هي في طور التأسيس حيث لم تقم بكافة مهامها، و هي عاجزة تماما عن تقديم أدنى مساعدة للفلاحين الذين قدموا طلبات إلى لجنة الزراعة في مجلس ديرالزور المدني ولكن لا حياة لمن تنادي”.
ويتذرع المسؤولين في المجلس المدني بقلة الدعم المالي الواصل إليهم، و يعولون على منظمات المجتمع المدني للوقوف الى جانب المتضررين، وتقديم الدعم اللازم للفلاحين لإعادة تنشيط القطاع الزراعي في المناطق المنكوبة وفق الناصر.
وختاما أكد مراسلنا أن الأهالي يطالبون بالدرجة الأولى توفير الحماية لأنفسهم عبر إبطال مفعول الألغام والعبوات الناسفة والقذئف التي خلفتها الحرب والتي تنتشر بكثرة في البساتين فالبعض أقدم على حرق البستان نتيجة لموت مايقارب ثلاثة أرباع مزروعاته، و ضحى بالبقية لإزالة الألغام التي تنفجر إثر تعرضها لدرجات حرارة عالية، في حين أقدم آخرون على ريّ البستان بكميات كبيرة من الماء علها تفسد شيئا من مخلفات الحرب، بينما لا يزال البعض ينتظر من قسد المساعدة في هذه القضية.