شباب سوريا

الإرادة مكّنت الشباب السوري من بناء واقع مهني جديد بعد 2011

للصراعات انعكاسات على مختلف مجالات الحياة وعلى جميع التفاصيل اليومية الصغيرة منها والكبيرة، وهو ما اختبرناه حرفياً منذ 2011 إلى الآن.

تقاس المجتمعات إجمالاً بمقدار اليد العاملة الموجودة فيها ونسبة الفئة الشابة المنتجة التي تأخذ على عاتقها برغبة أو دون رغبة مهمة إعمار البلاد وإنتشالها من بين ركام الخراب، هذا في الحالات الطبيعية التي يمكن قياسها على المجتمعات جميعاً بصرف النظر عن الحالة الأمنية التي تعيشها، لكن التجربة السورية في الحرب لا يمكن أن تتشابه مع أي حالة أخرى باستثناء الحرب العالمية الثانية وأوروبا التي خرجت كهلة خالية من الشباب ومضطرة إلى الإستعانة بسواعد النساء والأطفال لبناء أوروبا التي نعرفها الآن..

شباب غادر البلاد لسبب أو لآخر، منهم من وقع في مقصلة الحرب، ومنهم في مقصلة الغربة التي بدل أن تمدّ لهم يد العون أدخلوهم في أدوات أخرى لم يحسب الشباب لها حساباً، فمتطلبات كل مجتمع تختلف عن الآخر لحد كبير كما نعلم، ومنها قد تختلف العادات وأسلوب الحياة وحتى الأعمال التي يقومون بها، وإن كان السوريون الشباب استطاعوا بعد سلسلة من الخيبات التلوّن بما يتطلبه المجتمع من قوانين وأسلوب حياة، إلاّ أنه كان من الصعب بمكان تغير أسلوب وطريقة عملهم أو حتى تغير مهنتهم جزرياً للتكيف مع البيئة الجديدة من ناحية، ولعدم وجود طلب على ما تعلّمه في بلده طوال عشرين سنة من ناحية أخرى..

“أحمد حموي” المعيد في جامعة حلب، كان من ضمن من أثرت عليهم الأحداث وأجبرته على الإنتقال بين في عدّة مهن، فمن سوريا حيث كان أستاذ جامعياً توجه إلى مصر ليكون صانعاً في إحدى معامل الألبسة ويتخلى عن العمل بالتدريس الجامعي مرغماً، ومنها يتحول في تركيا إلى موزّع للمياه والمشروبات الغازية، إلى أن استقر بهم المطاف أخيراً في ألمانيا التي أجبرته أيضاً على العمل كسائق، إلى جانب أن فكرة العودة إلى مقاعد الدراسة ليست بالأمر السهل، وإنما بإمكان الطلاب الدارسين في سوريا أو القادمين حديثاً دخول الأقسام التي ترغبها وتحتاجها الدولة مما يساعدهم في بناء حياتهم وتنظيمها بحسب قوله.

تجربة قاسية رواها لنا “أحمد” في رحلته تلك والتي أدخلته في حالة نفسية لا يُحسد عليها بحسب وصفه، فالمسؤولية والواجب تجاه العائلة من جهة، والرغبة في متابعة ما بدأ به من جهة أخرى، لكن لم بأخذ التفكير منه الشيء الكثير، فالخيارات واضحة ومحاولة العيش في الحدود الدنيا كانت أولى من بدأ الحياة الطلابية من الصفر في بلده الجديد..

أما “بشير” الذي كان ضابطاً قبل أحداث 2011، فقد تشارك مع “أحمد” في عدم وجود خيارات كثيرة أمامه في ظل القتل والدمار الحاصل بحق المدنيين في البلاد، فوجد الإنشقاق واجباً لا بدّ منه دون الإكتراث للمستقبل أو التخطيط للدخول في مهنة أخرى أو التدرب حتى، فأخذته الأقدار للعمل مع المنظمات والجمعيات الخيرية ناشطاً يساعد المدنيين ويحاول تأمين ما يستطيع لمن يحتاج، ويبدو أن إنسانية العمل الذي يقوم به عوضته عن كل شيء وجعلته شاكراً وممتنا بحياته الحالية التي وإن تغير وأجبرته على تغيير مهنته وحياته إلاّ أنها أضافت له الكثير من التجارب التي لا يمكن إلاّ أن تدفعه قدماً نحو الأمام..

حسن طالب جامعي كان يعمل كمصمم لبدلات العرائس لتأمين مصروفه الجامعي لا أكثر، فالعمل كان لأجل العمل لا أكثر، لكن الثورة غيّرت في طريقة تفكيره ونظرته للأمور بحسب قوله، وخاصة لارتباط عمله الجديد مع الأطفال وأساليب حمايتهم، وهو ما أضاف إلى تجربته الفكرية شيئاً كثيراً تحعلته راضياً عن القرار الذي اتخذه في ترك حياته السابقة التي كانت واضحة الخطوط دون أهداف كأي شاب سوري آخر قبل الثورة، فالدراسة تبدأ أولاً ومن ثم الخدمة الإلزامية ومن ثم الزواج وتكوين العائلة، كلها كانت أموراً مخططاً لنا جميعاً ولم تكن تحتاج للتفكير أو  كما يقول “حسن” “لم نشعر بضرورة التفكير فيها”.

ورغم تأرجح الكفة بين من اعتبر التغيير هذا إيجابياً إلى حد كبير وبين تأثيرها السلبي على البعض الآخر، إلا أننا لا يمكن أن ننكر المرحلة الصعبة التي اضطر لخوضها كلاهما في انتظار مجهولٍ لا يعرفون ما هو، فمنهم من أخذته الرياح إلى شاطئ الأمان ومنهم من اكتشف هوسه بالبحر فرفض النزول، ومنهم من بقي بين هذا وذلك، يشتاق البرّ أحياناً ولا يطاوعه قلبه على ترك البحر أحياناً أخرى.

https://www.facebook.com/fm.watan/videos/545648079531011/

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى