عرفت سوريا طوال تاريخها بالاعتدال والوسطية واحترام الآخر باختلاف معتقداته وإيمانه وطريقة عيشه، إلا أننا خلال سنوات الصراع في سوريا لاحظنا ظهور بعض الحالات التي لا يمكن نكرانها ولا تعميمها في الوقت ذاتها على المجتمع، هذه الحالات تمثّلت في إما الإلحاد والابتعاد الكلي عن الدين والإسلام بشكل خاص، أو التدين إلى درجة التعصب الذي يمكن اعتباره الوجه الآخر للإلحاد.
الباحث والمتخصص في الفكر السياسي والجماعات الإسلامية عباس شريفة أشار إلى أن النتيجة الطبيعية التي وصل إليها جزء من المجتمع في الإتجاه إلى هذين الجانبين بحكم النمط الاستبدادي الذي كان يعيشه خلال فترة حكم آل الأسد، ورؤية القدوة الفاسدة التي من الممكن أن تكون أباً أو إيماماً أو أي أحد مثّل الدين بشكل خاطئ لا يقترب فيه من الدين بشيء، وبالتالي ونتيجة قلة الوعي وعدم التعمق في أساسيات الدين والدعوة التي يحملها، وجد العديد من الشباب، بشكل خاص، فساد هذه الشريحة وربطهم بالدين بطبيعة الحال، فكان نفوره من تصرفاتهم هو نفور عن الدين والقرآن.
لكن في الوقت الذي نلاحظ فيه درجة التشدد الديني في الداخل السوري، لاحظنا أيضاً وجود نسبة لا بأس بها من الذين سلكوا طريق الإلحاد حالما سمحت لهم الفرصة وانفتحت أمامهم أبواب الحرية الأوروبية التي رغبوا بها، إذ يرى “شريفة” أنّ ردّة الفعل هذه لا تختلف عن ردّة فعل التشدد في ظهورها ونموها، لكن “عمر” أحد المقيمين في ألمانيا وجد أن المجتمع الأوروبي على الرغم من تقديمه لكل أنواع الحريات التي يمكن تخيلها، إلا أنها زادته إيماناً وتمسكاً بعقيدته ودينه، وهي حالة أخرى لا يمكن نكرانها في المجتمعات الأوروبية ، ويرى “عمر” أن من أهم الأمور التي قد تؤثر على الفرد سواء كان في الداخل أو الخارج هو أسلوب التربية التي تلقاها في الصغر والأفكار التي تربى عليها والمعلومات التي أخذها من عائلته والبيئة المحيطة، لأنها جميعاً تساهم في تكوين معتقده وأسلوب حياته وشخصيته في المستقبل.
“أحمد” الطالب في جامعة أنقرة وجد المجتمع السورية، وخاصة الشباب، أما خيارات مموهة تماماً، فأثناء قيام الثورة السورية لم يجد الشباب لهم مرجعية يمكن اللجوء إليها وأخذ نصيحتها في العديد من الأمور، بالإضافة إلى غياب الثقة بالمرجعيات الموجودة وارتباطها بالنظام بشكل أو بآخر، وأيضاً تلعب ثقة الشاب بنفسه دوراً بارزاً في الوقوف أمام الهجمات التي يمكن أن يتعرض لها من إلحاد أو تعصب، فهي الوسيلة الدفاعية الأنجع في تحديد الشاب لمصيره وطريقة عيشه.
من جانبه يرى الباحث “عباس شريفة” أنه على الرغم من سيطرة التنظيمات الإرهابية على بعض المناطق في سوريا وتأثيرها ببعض الناس إلى جانب اتباع جزء منهم لهذه التنظيمات تحاشياً وخوفاً على حياتها وحياة عائلاتهم، إلا أن المجتمع السوري لا يمكن أن يستمر بهذه الطريقة كون المعتقدات هذه ليست وليدة منها، بل تعتبر معتقدات دخيلة سيتقيؤها المجتمع عاجلاً أم آجلاً، ومثلها في ذلك مثل الإلحاد.