ميسون شقير – موجز عن باسل الصفدي

جاء نبأ إعدام النظام السوري باسل الذي نفذ منذ حوالي سنتين صاعقة، فكان ثمة مطر كثير مالح من آلاف العيون التي لم تكن تعرف باسل شخصياً، لكنها تعرفه كثيرًا فكرياً وروحيًا، وقد أحست أنها كلها نورا غازي التي أعدم عشيق عمرها، قبل أن يتوّجا العشق بالوصال يوما، والتي بقيت، منذ أكثر من سنتين، تخاطبه بثقة العاشق بأنه حي يسمعها، وبعجز الحلم الذي لم تكن نورا تمتلك غيره، والذي جعلها تتواصل مع كل المنظمات في العالم، لتنظيم حملات للإفراج عنه، وللضغط على الحكومة السورية التي لم تعترف أولا بوجوده، ثم لم تستجب لكل المناشدات والضغوط العالمية، إذ كان باسل قد أعدم تحت التعذيب، منذ اليوم الذي تلا زواجه الافتراضي، والذي وقع عقده وهو في سجن عدرا.

بكل بساطة، ينفذ حكم الإعدام وتحت التعذيب لباسل خرطبيل الصفدي، الفلسطيني السوري، الذي صنف بأنه العقل التاسع عشر في العالم في علم البرمجيات الحديث، فهو العقل السوري الذي ساهم في عدة مشاريع تتعلق بـ”المصدر المفتوح” للمعلومات في شبكة الإنترنت، مثل موزيلا فايرفوكس أو ويكيبيديا. وكان باسل قد أطلق، في دمشق عام 2010، برنامجه الإلكتروني “إيكي” للتقنيات التعاونية التي “منحت للناس أدوات جديدة للتعبير”، فقد كان المدير التقني والمؤسس المشارك للشركة البحثية إيكي، وكذلك المدير التقني لشركة الأوس للنشر، وهذه مؤسسة نشر بحثية مختصة بعلوم وفنون الآثار في سورية. وهو السوري الفلسطيني الذي شغل منصب مدير مشروع لصالح منظمة المشاع الإبداعي في سورية، والتي حاولت أن تجعل الإنترنت وخدماته الهائلة متاحة للسوريين الذين تأخر كثيرا عنهم. وكانت لباسل مساهمات حقيقية في تطبيقات كل برامج “موزيلا” و”فايرفوكس”، وفي إنشاء الويكيبيديا العربية كما أنه ساهم في تطبيق برامج أوبن كليب آرت، فابريكيتورز، وشاريزم.

وكان آخر ما قام به باسل الصفدي، قبل أن تسوّل له نفسه الدفاع المستميت عن حرية المعرفة والتصفح في سورية، إنشاء صور ثلاثية الأبعاد لمدينة تدمر التي تمثل أهم معالم عراقة سورية وحضارتها، فيما كان أهم ما صنعه النظام فيها إقامة أسوأ سجن، حيث جرى فيه تعذيب أهم الشخصيات السورية، وقد وضع تصورا مرئيا في الوقت الحقيقي، وقد كان أول عمل عربي يقام على هذه الشاكلة لمنطقة أثرية، وشارك في تنمية “فابريكيتورز” لمنصة التطوير على مواقع الويب.

ومن الغريب أيضا أنه في 21 أكتوبر/ تشرين الأول 2015، أعيد وأنشئ مشروع تدمر الجديدة، لاستئناف عمل باسل الرائع على نموذج ثلاثيّ الأبعاد، في حين أن باسل نفسه كان قد صار جثة بلا هوية، بعد مقتله تحت التعذيب، دفنت في مقابر جماعية أنشأها النظام في سورية، لكي يهيل على ما تبقى من سورية، ومن أحلامها، كل هذا الوحل.

حصل باسل على جوائز كثيرة، أهمها حين عرض معمل الإعلام في معهد ماساشوستس للتقنية منصب باحث في مركز الإعلام المدني للعمل مع إيثان زكرمان على مشاريع تجعل تاريخ سورية متاحًا للعالم. ليحصل باسل خرطبيل الصفدي على المركز التاسع عشر في قائمة “فورن بوليسي” لأفضل مفكرين عالميّين، مع ريما دالي، وذلك، حسب ما جاء في نص إعلان الجائزة، “للإصرار على سلمية الثورة السورية ضد كل الظروف”. وفي يوم 21 مارس/ آذار 2013، حصل باسل على جائزة مؤشر الرقابة في الحريات الرقمية، ولعل أهم ما قام به، على الرغم من اعتقاله في ذلك الوقت، أنه نجح، عبر دانا تروميتر وجون فيليبس، وهما اللذان استلما الجائزة بالنيابة عنه، في إيصال آخر رسالة منه إلى العالم، وقد عبر فيها عن تقديره لكل ضحايا النضال من أجل حرية التعبير، خصوصا الشباب السلميين الذين رفضوا حمل السلاح، وقال إنهم كلهم يستحقون هذه الجائزة.

هكذا، وبعد كل هذا التميز، يعدمه النظام السوري بعد اعتقاله بسنتين، فتنعاه نورا بكلمات ملأت مواقع الإنترنت و”فيسبوك”، وجعلت صورة باسل تذيع وتشتهر، وهو الذي كان شغوفا بالإبداع في برامج الإنترنت، فكأن نعي نورا أحد البرامج الجديدة التي لم يعرفها العالم بعد: شكرا لكم. لقد قتلتم حبيبي. لقد كنت عروس الثورة، وأصبحت بفضلكم أرملتها. يا خسارة سورية، يا خسارة فلسطين، يا خسارتي.

المصدر : العربي الجديد 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى