اللجوء السوري في لبنان مشكلة بالغة التعقيد وعبء كبير على بلد اقتصاده في وضع خطير. ونتائج اللجوء الاجتماعية كارثية بسبب تزايد التوتر بين الشعبين وتزايد العنصرية والتعصب في لبنان، ففي أي زيارة الى لبنان حيث هناك اكثر من مليون لاجئ سوري نتيجة الحرب الوحشية التي خاضها بشار الأسد على شعبه بدعم من روسيا وايران، يدرك المراقب ان مشكلة اللجوء السوري لم تعد تنحصر في طائفة واحدة مثلما حصل مع اللجوء الفلسطيني، بل ان معظم الطوائف أصبحت تتذمر كما معظم طبقات الشعب تندد بوجود اللاجئين السوريين الذين كثيراً ما ينافسون اللبنانيين على وظائف صغيرة لأن أجورهم أقل بكثير من اللبنانيين.
ان من المحزن ان العالم ترك بشار الأسد يهجّر شعبه ويخلق له وللبلد الذي يستضيف هذا اللجوء مشاكل اقتصادية ضخمة. فسائق التاكسي مثلاً في بيروت او طرابلس كثيراً ما يشعر بمرارة لأن هناك العديد من السوريين يعملون على سيارات من دون رخص وينافسون بأسعارهم القليلة السائق اللبناني. حتى اذا اقترب طفل لاجئ سوري ليطلب مساعدة مالية من أحد الركاب ينصحه السائق بعدم إعطائه أي مساعدة قائلاً ان اهل هذا الطفل يستخدمونه لكسب المال وذلك يتكرر في عدد كبير من قطاعات العمل في لبنان.
ان مأساة اللجوء السوري جعلت معظم طبقات الشعب اللبناني تظهر قسوة غير عادية للبناني وشيئاً من العنصرية تثير مشاعر المراقب الخارجي الذي يرفض هذا التصرف ولكنه في العمق يدرك ان حياة عدد كبير من اللبنانيين أصبحت بالغة الصعوبة لقسوة ظروفهم المعيشية، خصوصاً ان الشعب يتذمر من طبقة سياسية فشلت في تقديم ادنى المتطلبات المعيشية ومنها الكهرباء مثلاً.
وغداً يستقبل رئيس الحكومة الفرنسي ادوار فيليب نظيره اللبناني الرئيس سعد الحريري الذي يلتقي بعد ذلك مع وزير المالية برونو لوميير، على ان يلتقي الحريري بعد غد مع الرئيس ايمانويل ماكرون ووزراء الخارجية والدفاع جان ايف لودريان وفلورانس بارلي ورئيس مجلس الشيوخ جيرار لارشي. وسيكون موضوع اللجوء السوري في طليعة اهتمام الحريري في محادثاته التي تهدف الى اقناع الجانب الفرنسي بأن يعمل على تعبئة أوروبية لمساعدة لبنان على نمو اقتصاده عبر مؤتمر دولي ليتمكن من تحمل هذا اللجوء في غياب حل للصراع السوري وغياب إمكان عودة اكثر من مليون لاجئ سوري في ظل حكم بشار الأسد.
ويأتي لقاء الحريري مع ماكرون بعد أيام قليلة على استضافة الأخير قمة أوروبية افريقية بهدف الحد من موجة المهاجرين الى أوروبا عبر الدول الافريقية مثل النيجر ومالي وليبيا. فماكرون اعلن انه يريد مساعدة افريقيا لكي تضبط وتحد هذه الهجرة التي تتدفق الى الدول الأوروبية.
والمستشارة الألمانية انغيلا ميركيل التي فتحت أبواب المانيا لـ٤٩٠ الف مهاجر اكدت في مقابلة في بداية الأسبوع ان المانيا وأوروبا لم تتنبه بما يكفي لنتائج الحرب الاهلية في سورية وإرهاب «داعش» في العراق وحدود إمكانات مخيمات اللاجئين في لبنان والأردن، وان الأطفال هناك لن يتمكنوا من الحصول على تعليم في المدارس ما جعل المانيا تدرك انه تنبغي مساعدة دول اللجوء حيث الجغرافيا تفرض ذلك.
فلا شك ان الحريري يأتي في وقت مناسب لتناول هذا الموضوع مع فرنسا التي تقدم تاريخياً كل الدعم للبنان. فهناك نوع من ارتباط وثيق بين البلدين منذ عقود الى حد جعل دبلوماسية لبنانية بارزة تلاحظ انه من الصعب احتمال ان يفشل أي سفير لبناني في عمله في فرنسا لأنه باستمرار يجد كل الأبواب مفتوحة امامه. وتتبع زيارة الحريري الى فرنسا زيارة الرئيس عون وهي اول زيارة دولة لرئيس اجنبي في عهد ماكرون، وستتم في الأسبوع الأخير من شهر أيلول (سبتمبر).
فلا شك في أن مشكلة اللجوء السوري ومساعدة الاقتصاد اللبناني ستتصدران المحادثات. ومع أن الدول الأوروبية تعاني من أوضاع اقتصادية صعبة فهي تدرك انها اذا ارادت عدم مواجهة المزيد من الهجرة فعليها ان تساعد لبنان. وماذا لو تصور الأوروبيون ان يصدر الأردن ولبنان هذا اللجوء الى حدودهم؟ ان الوقت مناسب لطلب لبنان المساعدة وتفهم فرنسا وألمانيا مثل هذا الطلب. ولكن على الجانب اللبناني ان يقدم طلب المساعدة بشكل مدروس وواضح ومركز كي يأتي بنتائج.
المصدر : الحياة