عندما نتثاءب، فإن جميع من حولنا، تقريباً، يفعلون مثلنا تلقاءً، وربما في شكل أشد، وهذا ما قاد البعض الى اعتبار التثاؤب نوعاً من العدوى السريعة الانتقال، وبالطبع فإن آلية العدوى هنا ليست كتلك التي نشاهدها مع الميكروبات، بل هي عدوى من نوع آخر ما زالت أسبابها غير معروفة تماماً.
والتثاؤب هو عبارة عن رد فعل عصبي منعكس لا إرادي ينطلق بفتح الفم، فيتدفق الهواء بوفرة إلى أعماق الرئتين، يليه بعد ذلك خروج الهواء بكمية قليلة. وحتى اليوم، لا يزال الناس ينظرون إلى التثاؤب على أنه دعوة إلى النوم، لكن الحقيقة قد تكون غير ذلك كلياً.
ويحدث التثاؤب في الأحوال العادية بسبب الملل وبعد الإجهاد الجسماني والضغط النفسي والجوع ونقص التنبيه بالمؤثرات الخارجية وقبل النوم وبعد الاستيقاظ، وهو معدٍ عند الإنسان والحيوان من طريق الرؤية أو السمع أو حتى بمجرد التفكير فيه. ويتثاءب الإنسان حوالى 250 ألف مرة في حياته.
ووجدت دراسة لباحثين من جامعة ديوك الأميركية، أن نسبة التثاؤب أعلى في الفئة العمرية دون 25 سنة، لتقل لدى من هم بين 25 و49 سنة، ولتصبح أقل في الفئة فوق سن الخمسين.
ويحدث التثاؤب حتى عند الجنين، إذ كشفت الصور بالأمواج فوق الصوتية في الفترة الأخيرة للحمل، أن الجنين يتثاءب بشدة قبل أن يولد، الى درجة أن المشاهد يظن أن فكّيه سينفصلان عن بعضهما.
أبو الطب أبقراط سئل قبل 2500 سنة ونيف عن سبب التثاؤب، فقال أنه يهدف الى طرد الغازات السامة قبل إصابة الجسم بالحمى، لكن الإجابة عن السؤال نفسه في السنوات الأخيرة تغيرت، فهناك فرضيات كثيرة لتبرير التثاؤب نعرضها تباعاً.
إحدى الفرضيات التي لاقت رواجاً لوقت طويل، الفرضية التنفسية التي أشارت الى أن التثاؤب يؤدي إلى عبور كمية كبيرة من الهواء الغني بالأوكسيجين إلى الجسم بدافع حاجة الأخير إليه، لكن العالمة الأميركية ميري هانز، قالت أن التثاؤب وسيلة فطرية يلجأ إليها الجسم ليبقى نشطاً مستيقظاً، وقد استطاعت، من خلال قراءة الصور التي التقطت للأجنة بواسطة الأمواج فوق الصوتية، أن تبيّن أن التثاؤب ليس دليلاً على الحاجة الى الأوكسيجين بل الى النشاط والحركة كون الجنين لا يتنفس وهو في بطن أمه.
وبعد إجراء تجارب شملت الفئران، ظهرت فرضية تقول أن التثاؤب يهدف الى تبريد المخ عندما تزيد درجة حرارته عن الحد الطبيعي، فتحريك الفك السفلي يؤدي الى تحريك الدم في الدماغ والى استنشاق الهواء البارد الذي يساهم بدوره في تبخير المادة المخاطية المبطنة لأجواف المخ، ما يساعد على خفض درجة حرارة الدماغ، لكن تجارب مشابهة أجريت على البشر لم تحمل نتائج تتناغم مع تلك التي تم الحصول عليها عند الفئران، وبالتالي ما زالت هناك أسئلة مطروحة في حاجة إلى من يجيب عنها.
أما الفرضية الثالثة، فتدّعي أن فتح الفم خلال التثاؤب يخلق نوعاً من الضغط من عضلات الوجه والفكين على القنوات الدمعية، ما يؤدي إلى نزول المفرزات الدمعية، وهذه ظاهرة صحية يحتاج إليها الإنسان لتنظيف القنوات الدمعية من الأملاح والشوائب التي تصل اليها.
وهناك فرضية «التمدد العضلي» التي تقول أن الجسم يلجأ إلى التثاؤب كوسيلة تسمح بتمديد العضلات وارتخائها كي يجعلها متأهبة دائماً لمواجهة أي نشاط مفاجئ. ووفق هذه النظرية، فإن التثاؤب عند الحيوان يجعله دائماً على أهبة الاستعداد للدفاع عن نفسه ضد أي خطر يواجهه.
أما الفرضية الخامسة، فتميل أكثر الى اعتبار التثاؤب أقرب إلى التفاعل النفسي العضوي، فالإنسان يتأثر عندما يشاهد شخصاً آخر يتثاءب فيتفاعل معه ويفعل مثله ويقلّده. وقد أظهرت نتائج البحوث أن عدوى التثاؤب تنتقل بين الأشخاص المتعاطفين بين بعضهم في شكل أكبر، مقارنة مع الأشخاص من غير المتضامنين عاطفياً في ما بينهم، من هنا نرى أن عدوى التثاؤب تنتقل بين أفراد العائلة الواحدة والأصدقاء في شكل أسهل من انتقالها بين الغرباء.
وهناك فرضية سادسة تقول أن الهدف من التثاؤب هو زيادة مستوى الوعي والتركيز للتغلّب على الخمول. وعلى رغم أن هذه النظرية تبدو منطقية، إلا أن التجارب التي جرى فيها قياس النشاط الكهربائي في المخ قبل التثاؤب وبعده لم تأت بالجواب الشافي.
أياً كانت الفرضيات، فإن التثاؤب يحدث نوعاً من النشاط الموقت في أركان الجسم، فهو يوسّع الرئتين، يحسّن من وجود الأوكسيجين في الدم، يزيد من جريان الدم في المخ، يعزز نشاط القلب والعضلات، ويبعث على اليقظة. وإذا كنت مكلفاً بإلقاء خطاب من على منبر، فنصيحتنا أن تقوم بحركات تشبه التثاؤب لأنها تساهم في توسيع منطقة الحلق وبالتالي تحسين نبرة الصوت.
وفي الختام، فإن التثاؤب يحصل للجميع بمعدل أربع إلى خمس مرات يومياً أو ربما أكثر قليلاً، وهذا أمر طبيعي، أما إذا كثر التثاؤب فيجب أخذه على محمل الجد. وإذا ما وقعت عيناك على شخص يتثاءب، فلا تتسرع في الحكم عليه بأنه كسول ويرغب في الراحة أو في النوم، فقد يعكس التثاؤب شعوراً بالقلق أو بالتوتر أو بوجود مرض حقيقي، فهناك أدواء كثيرة يمكن أن يكون التثاؤب الكثير علامة من علاماتها، خصوصاً في بعض الأمراض العصبية، كما يمكن لبعض الأدوية أن يكون سبباً في حدوثه.
وعندما تتثاءب لا تحاول إيقاف النوبة لأنك لن تفلح، لكن في المقابل في إمكانك أن تخفف منها أو تعدّل من لهجتها … لكن الأهم من ذلك أن تضع يدك أمام فمك.
المصدر : الحياة