قال باحثون بريطانيون إنَّ خسارةَ غرام واحد من شحوم البنكرياس قد تشفي من داء السكَّري من النمط الثاني. إلاَّ أنَّ أحداً لم يتمكَّن حتَّى الآن من معرفة الطريقة التي يمكن من خلالها فقدانُ الشحوم من البنكرياس فقط. وتشير هذه الدراسةُ الصغيرة إلى أنَّه لابدَّ لذلك من إجراء عملية جراحية لإنقاص الوزن، أو خسارة ما نسبته 15 في المائة من وزن الجسم الكلِّي باتِّباع نظامٍ غِذائيّ مناسب.
وبحسب معدّي الدراسة، فإنَّه على الرغم من أنَّ نتائجَ الدراسة لا تقدِّم وعوداً بشفاءٍ سريع لداء السكري من النمط الثاني، إلاَّ أنَّها تساهم في فهم أكبر للإصابة بالمرض. يقول المُعدّ الرئيسي للدراسة الدكتور روي تايلور، أستاذ الطب والاستقلاب بجامعة نيوكاسل ببريطانيا: “لقد أدّت جراحةُ إنقاص الوزن، عندَ الأشخاص المصابين بداء السكري من النمط الثاني، إلى خسارة وزن وتناقص شحوم البنكرياس، وعدَّلت من إنتاج الأنسولين لديهم، وقد حدث ذلك خلال 8 أسابيع من إجراء الجراحة. أمَّا عندَ الأشخاص الذين لا يعانون من مشاكل في سكَّر الدم، فلم تؤدِّ خسارةُ الوزن نفسها إلى أيّة تغييرات في شحوم البنكرياس”.
ويُضيف تايلور: “نستنتج من ذلك أن مخزوناً غير طبيعيٍ من الشحوم قد تراكم في البنكرياس عندَ الإصابة بداء السكري من النمط الثاني، وأنَّ التخلُّصَ من هذا المخزون الشحمي يسمح بعودة الوظيفة الطبيعية للبنكرياس”. وبحسب المعلومات الأوَّلية الواردة في الدراسة، فإنَّ السكَّري من النمط الثاني يُصيب ما نسبته 9 في المائة من السكَّان في الولايات المتحدة الأمريكية، ولا يزال سببُه المباشر مجهولاً، إلاَّ أنَّه من المعروف بأن المقاومةَ تجاه الأنسولين تمارس دوراً في حدوثه.
يقول مُعدّو الدراسة: “الأنسولين هو هرمونٌ ينتجه الجسم بشكل طبيعي، ويمارس دوراً مهماً في استقلاب السكَّر الوراد من الأطعمة المختلفة. وعندما يُوصَف شخصٌ بأنه مُقاومٌ للأنسولين، فهذا يعني أنَّ جسمَه لا يستخدم الأنسولين بصورة صحيحة، وهو ما يُلقي بأعباء إضافية على الخلايا المفرزة للأنسولين لإنتاج كمِّيات إضافية منه، إلاَّ أنَّ هذه الخلايا لا تستطيع في النهاية تلبيةَ الحاجات المتزايدة من الأنسولين، فتحدث الإصابةُ بداء السكري من النمط الثاني”.
يقول تايلور: “يُعدُّ وزنُ الجسم الزائد عاملَ خطورة للإصابة بداء السكري من النمط الثاني، إلاَّ أنَّه ليس السبب الوحيد لذلك. ومن الواضح بأن البشرَ يتفاوتون فيما بينهم بالأُهبَة للإصابة بداء السكري من النمط الثاني؛ فإذا كان شخصٌ ما غيرَ مؤهب وراثياً للإصابة بداء السكري من النمط الثاني، فلن تتراكم الشحوم في البنكرياس لديه، حتى ولو أصبح بديناً جداً. وتشير الإحصائياتُ إلى أنَّ ما نسبته 80 في المائة من المرضى البدينين لا يعانون من داء السكري من النمط الثاني”.
اشتملت هذه الدراسةُ الحديثة على حوالي 18 شخصاً مُصاباً بداء السكري من النمط الثاني منذ أقل من 15 عاماً. وبهدف المقارنة، قام الباحثون بإشراك 9 أشخاص مماثلين من حيث الوزن والعمر، إلاَّ أنهم غير مصابين بداء السكري من النمط الثاني. استخدم الباحثون تقنيةً حديثة للتصوير بالرنين المغناطيسي لقياس الخسارة في الشحوم في كلٍّ من البنكرياس والكبد.
وبعدَ ثمانية أيام من جراحة إنقاص الوزن، كان مقدارُ الخسارة في الوزن متشابهاً لدى أفراد كلا الفئتين، وبلغ حوالي 13 في المائة من الوزن؛ إلاَّ أنَّ الباحثين وجدوا فارقاً كبيراً في مدى خسارة الشحوم من البنكرياس والكبد بين أفراد الفئتين، فقد تبيّن أنَّ مرضى السكري من النمط الثاني خسروا بعضَ الشحوم من البنكرياس والكبد، في حين أنَّ الأشخاصَ غير المصابين بداء السكري من النمط الثاني لم يخسروا كمِّيات تُذكر من الشحوم من هذين العضوين.
وقد وجدت الدراسةُ أنَّ إنتاجَ الأنسولين قد عاد إلى طبيعته عند المرضى المصابين بداء السكري من النمط الثاني، في حين لم تُلاحظ أيّةُ تغيرات في إنتاج الأنسولين عند الأشخاص غير المصابين بداء السكري. وعلى الرغم من أنَّ الدراسة تحرّت خسارةَ الوزن التي أعقبت إجراءَ جراحة إنقاص الوزن، إلاَّ أنَّ الباحث تايلور يقول إنَّ خسارة 15 في المائة من الوزن بالطرق غير الجراحية قد يُعطي نتائجَ مماثلة لخسارة الشحوم من البنكرياس والكبد.
وفي معرض التعليق على الدراسة، يقول الدكتور جويل جونسزين، مديرُ قسم أبحاث السكَّري السريرية في مركز مونتفيري الطبي بمدينة نيويورك: “إنَّ إزالةَ الشحوم من الأعضاء التي لا تحتوي عليها بشكلٍ طبيعي – ونعني هنا الكبد والبنكرياس – تُساعد على تقليل الإصابة بداء السكري. وحتى لو مضى على الإصابة بالسكري سبع سنوات أو أكثر، فإنَّه يتعافى بشكل جيِّد جداً”.
يقول جونسزين: “لقد تمكَّن تايلور وزملاؤه من تسجيل تعافٍ رائع لخلايا بيتا في البنكرياس، وقد تبيّن لهم بأنها لم تمت؛ وإنما توقَّفت عن العمل وحسب، واستطاعت العودةَ إلى سابق عهدها بشكل طبيعي. إنَّ هذه الدراسة توضِّح مدى تأثير إنقاص الوزن في تعديل الاستقلاب في الجسم، وتخفيف حالة الإصابة بالداء السكري من النمط الثاني”.
المصدر : kaahe