سأل رهط من الذين دخلوا إدلب الأسير الواقف أمامهم عن مذهبه، حين أخبرهم أنه علوي، أُطلق وابل من الرصاص عليه، وأردي قتيلاً. كان أعزل لا يستطيع الدفاع عن نفسه، ولو كان هناك أدنى التزام بالضرورات الوطنية والثورية، لنال محاكمة عادلة، ولنفِّذ فيه حكم البراءة أو الإدانة الذي كانت ستصدره بحقه.
أجرى الأستاذ فيصل القاسم حواراً عن العلويين في برنامج الاتجاه المعاكس، ركّز على جريمة جماعية، ارتكبها كل واحد من علويي سورية الذين يشكلون فئة يستحق كل فرد منها القتل، يتساوى في ذلك العلوي العادي الذي لم يغادر الساحل في حياته، وعاش نصف القرن الماضي بعيداً عن النظام وأجهزته ونهبه وجرائمه، مع العلوي الذي يحتل قمة السلطة العسكرية والأمنية، ويرجح أن يكون مجرماً وفاسداً، مع بشار الأسد وعصابته التي تحترف الإجرام بصنوفه ومفرداته كافة.
وقد أرعبني ما حفل البرنامج به من أحكام مسبقة، وتحريض على العلويين، من دون استثناء، بينما نحتاج جداً إلى طمأنتهم بدل إثارة ذعرهم، وتخويفهم إلى حد يرغمهم على خوض قتال انتحاري، يستمر حتى آخر رجل منهم. وللعلم، فإن اعتراضي على ما قيل في البرنامج لا يستهدف فقط فك العلويين عن النظام، بل ما هو أهم: ربطهم بالعمل الوطني، ومنحهم فرصة المشاركة فيه طرفاً أصيلاً ومهماً جداً من أطرافه، والإفادة من قيمه النبيلة، وخصوصاً منها الحق في الحرية والحياة الذي يجب أن يكون متاحاً لأي سوري، مواليا كان أم معارضاً، بما أنه حاضنة أي مستقبل وطني يجمعهم، يرفض الطائفية والتمييز بين المواطنين، بسبب أحكام مسبقة، تتصل بانتمائهم الديني أو الفئوي أو العرقي أو … إلخ.
لا أريد باحتجاجي هذا تخدير العلويين، أو خداعهم سياسياً، لتحييدهم أو إبعادهم عن النظام، ريثما يتمكن منهم بعض القتلة باسم الثورة. أحتج لأن المسّ بالعلويين، كمكوّن وطني سوري أصيل وتاريخي، يعني القضاء على وطننا، وزج شعبنا في حرب إبادة خطط لها النظام، لكنه فشل في جر السوريين إليها، على الرغم مما ارتكبوه من جرائم مأساوية بعضهم ضد بعض، ويعني أننا لسنا أهلا للحرية، ونفتقر، أيضاً، إلى القدرة على بناء دولة نتعايش فيها بحد أدنى من العقلانية والعدالة والمساواة، ولا نستحق، بالتالي، ما خرجنا من أجله: حريتنا التي دسنا عليها بمجرد أن وصلت البندقية إلى أيدينا، وكشفنا عن حقيقتنا كمدعي حرية، تخفي جلودهم مجرمين على قدر من الاحتراف لا يقل إطلاقاً عن احتراف مجرمي النظام وقتلته.
هل يعتقد عاقل أن النظام سيسقط بهذه الطريقة، وأن أنصاره والمدافعين عنه سيتركونه ليقتلوا بدم بارد بمجرد أن يفصحوا عن هويتهم أو مذهبهم؟ وهل يعقل أن تنعدم الروابط بيننا كسوريين إلى الدرجة التي تجعلنا نقتل بعضنا بعضاً، باسم الحرية والثورة، لنعود إلى زمنٍ طالما توهمنا وزعمنا أنه صار وراءنا، مع أن رجوعنا إليه يعني موتنا الوطني والإنساني، الجماعي والفردي، في آن معا؟
نقف، اليوم، على مشارف فترة مفصلية، سنخرج منتصرين منها بقدر ما ننجح في مغادرة طائفيتها ومذهبيتها، وما أنجبتاه من خلافات أحرقت وطننا، وقتلت عدداً كبيرا من بناته وأبنائه. والآن: هل نمحو بأيدينا وسلاحنا، وبفقرنا العقلي وأحكامنا المسبقة، ما قطعناه بتضحياتنا من درب حريتنا، أم نسمح لأنفسنا باغتياله بالرصاص والكلام، فنفشل ونضيّع كل شيء، لنفش خلقنا بدمائنا أو بدم أسير مظلوم؟
العربي الجديد _ وطن اف ام