يريد الجنرال عون اللجوء إلى آلية الاستفتاء الشعبي في انتخاب رئيس للجمهورية، دفاعا عن أمل ما بالوصول إلى سدة الرئاسة، ويرتكز أمله هذا في الوصول إلى الرئاسة إلى تعميم الالتباسات ونشرها، وحقنها في جسم السياسة اللبنانية الهش حتى يتورم بها، فلا يعود مهتما بالسؤال عن هوية الطبيب. حينها قد يصبح مقبولا أن يكون الطبيب الذي يداوي جراح الرئاسة، ولو كان عليلا.
تنشأ هذه الالتباسات التي لا شك من اعتماد الجنرال عليها من غياب التعريفات الواضحة والعامة، والتي تحظى بالحدود الدنيا من الإجماع حولها من قبيل مفهوم الاستفتاء، ومفهوم الشعب وما ينسب إليه ليكون شعبيا، أو حاملا لمعنى الإرادة الشعبية.
ففكرة الاستفتاء الشعبي ترتبط في مخيلة الجنرال بمشهد الجماهير الشيعية الإلهية التي تدين بالولاء لحزب الله. يرى فيها شعبا غالبا ونهائيا يستطيع أن يؤمّن له الغلبة التي يشتهيها، حتى يستوي رئيسا متغلبا. هكذا يمكن للجنرال أن يصل إلى سدة الرئاسة، وأن يحافظ في الوقت نفسه على صيغة ديمقراطية صالحة للتسويق والترويج، عبر القول إنه وصل بقوة الجماهير الشعبية التي تشكل الشعب الوحيد الممكن.
ويؤسس الجنرال خطابه هذا على ما كان حسن نصر الله قد دعا إليه من ضرورة قيام مؤتمر تأسيسي في لبنان لإعادة ترتيب الأوضاع، والأحجام والأدوار والتوجهات. نصر الله كان ولا يزال يريد من دعوته هذه تفجير الميثاق اللبناني، والدستور اللبناني، والدور السني والمسيحي في البلد، وإعلان لبنان محافظة إيرانية خالصة الولاء للولي الفقيه ودولته.
هذا البلد الذي يريده نصر الله يمكنه الاستجابة للخرائط الجديدة التي تعدها إيران في المنطقة، والتي جاء كبير مستشاري آية الله الخامنئي إلى لبنان ليعلن الشروع في رسمها على الأرض. المستشار الإلهي كان قد اعتبر خلال زيارته إلى بيروت مؤخرا أن “الانتصارات المؤزرة والإنجازات الكبرى التي استطاعت المقاومة اللبنانية أن تحققها مع الجيش السوري في التصدي للمجموعات المسلحة التكفيرية ودحرها في منطقة القلمون، تؤدي إلى تقوية محور المقاومة والممانعة، ليس فقط في سوريا ولبنان، وإنما في المنطقة برمتها”.
هذه الانتصارات تتطلب كي تتحول إلى واقع ميداني تغييرا كاملا في طبيعة المنطقة التي تشكل مسرحا لها، والتي يشكل لبنان واحدا من امتداداتها. هذا التغيير يقتضي العمل على مستويات عديدة في الوقت نفسه تضم السياسي والعسكري.
تقوم اللعبة “الولايتية” في المجال السياسي على دفع الجنرال عون إلى التصعيد في موضوع رئاسة الجمهورية، وموضوع تعيين صهره الجنرال شامل روكز قائدا للجيش في وقت واحد، حتى يمكن أن تتم بعد ذلك مقايضة الكف عن التصعيد في الشأن الرئاسي بتعيين الجنرال روكز في منصب قائد الجيش.
بعد ذلك يشار إلى محاولة دفع المقاتلين في القلمون إلى اللجوء إلى جرود عرسال أو ادعاء ذلك، والقيام بعمل أمني كبير يطال عرسال التي أعلن الحزب مؤخرا عن نقل معركته إلى جرودها، وما أسماه انتصار القلمون لم يحقق سوى “نصف أمان” كما ورد في مقال نشرته جريدة السفير والتي اعتبر أحد كتابها أن فتح معركة جرود عرسال من شأنه أن يضع الجميع أمام الامتحان.
قائد الجيش الحالي العماد قهوجي كان قد فشل مرارا في امتحان المجزرة، لذا يبدو التصعيد العوني محاولة لإيصال من يمكن إجباره على القيام بهذا الدور، بعد جعله يرتدي طابع الدفاع عن الأراضي اللبنانية.
كلام ولايتي كان أمر عمليات أطلق ورشة الشروع في نسف النظام اللبناني ككل، والسعي إلى تأسيس نظام جديد معاد للعرب والعروبة. وكان المستشار النووي شديد الوقاحة حين اتهم من قلب العاصمة العربية بيروت، الدول الراعية لخطاب العروبة، والتي تقف السعودية في مقدمتها، بأنها مصنع التكفيريين والإرهابيين.
هكذا اكتملت عناصر الجوقة الإيرانية. ولايتي يعزف على وتر مهاجمة السعودية واعتبار انتصارات القلمون دافعا لتغيير شامل في بنية لبنان والمنطقة.
يتبعه نصر الله بالعزف على وتر عرسال الراعية للتكفير والإرهاب، ويستكمل الجنرال عون اللحن بالعزف على وتر الاستفتاء الشعبي والدفع إلى تعيين صهره قائدا للجيش والدعوة إلى عصيان الحكومة ونسفها.
هذه عناصر المؤتمر التأسيسي للكارثة الذي ترسمه طهران للبنان والمنطقة. لا يبدو أن هناك طريقة لإنجازه سوى بالمجزرة التي يمكن أن نطلق عليها تسمية “المجزرة التأسيسية”، كونها تؤسس لإشاعة الجريمة الإيرانية الصنع، والهوى، والملامح، في فضاء المنطقة، وفي جغرافيتها ومصائرها.
العرب اللندنية _ وطن اف ام