تضعنا التطورات اليومية في العراق وسورية أمام احتمال قيام دولة داعش، بعدما بات “التنظيم” يسيطر، في صورة شبه تامة، على أكثر من مساحة ثلث العراق، وأجزاء واسعة من سورية. والحقيقة التي تصفع الجميع هي أنه ليست هناك قوة قادرة على وقف تقدم داعش المتواصل، وحتى الولايات المتحدة التي راهن بعضهم عليها أعلنت أن هذه المسألة مستحيلة، وهذا ما برهنت عليه معركة الأنبار التي احتلها داعش في مطلع الأسبوع الحالي، وأتبعها بالاستيلاء على تدمر.
قريباً تمر سنة على اجتياح داعش مدينة الموصل وتمدده منها نحو مدن غرب العراق، وتركيز وجوده في مدن الشرق السوري، من الرقة إلى دير الزور والحسكة وأخيراً تدمر. وخلال هذه السنة، انتقل داعش من جيش قوامه حوالي ثلاثين ألف مقاتل، في الصيف الماضي، إلى جيش ضخم يتجاوز مائة ألف، وبسلاح حديث غنمه من الجيشين، العراقي والسوري. وإزاء هذا الوضع، هناك عدة ملاحظات تطرح نفسها بإلحاح. أولها أن الحملة الجوية الدولية التي تقودها الولايات المتحدة ضد داعش في العراق وسورية، منذ سبتمبر/ أيلول الماضي، لم تحقق نتائج ميدانية كبيرة، وكانت التقديرات ترسم صورة مختلفة، وركزت التصريحات الأميركية على هدف تدمير قوة التنظيم، تمهيدا للانقضاض عليه عسكرياً بقوات برية. لكن، باستثناء نتائج متواضعة حققتها البيشمركة العراقية، لم تأت الحصيلة على مستوى الحسابات، بل على العكس، وها هو داعش يسقط أكبر مدينة عراقية، ويستعد لاجتياح بغداد التي يبدو أنها هدفه الرئيسي المقبل في هذا الصيف، وذلك بعد أن أمّن ظهره لمعركة كبيرة، من خلال السيطرة على الموصل والرمادي، بالإضافة الى امتداده الحدودي في سورية الذي يصل إلى الرقة والبادية، وهذه رقعة جغرافية كبيرة، تسمح لأي طرف محارب بأن يخوض معركته بارتياح شديد.
والملاحظة الثانية أن التدخل الايراني لوقف تقدم داعش في العراق لم يحقق نتائج منظورة، وقد شاركت إيران في معارك الأشهر الأخيرة في تكريت وصلاح الدين وبيجي، وأرسلت إلى ميادين الحرب قادة وضباطاً ومستشارين، بقيادة قائد الحرس الثوري، قاسم سليماني، لكنها أعلنت عن انسحابهم، وتركت مليشيات الحشد الشعبي الطائفية التي شكلتها تخوض المعركة بإسناد أميركي، وحصل بعض التقدم، ولكن تبين أنه ناتج من تكتيك داعش الذي انسحب مؤقتا من بعض المناطق، ثم استرجعها. وقد ظهر جلياً أن طهران ليست في وارد الزج بقواتها في العراق، على الرغم من أن المليشيات التي تدعمها غير قادرة على القيام بالمهمة وحدها، وسيبدو هذا الأمر أكثر وضوحا في الفترة المقبلة، حينما تغدو بغداد وكربلاء هدفين مباشرين لهجوم داعش، وإذا لم تتدخل إيران عسكريا لحسم الوضع في الرمادي، فإن مصير بغداد لن يختلف عن مصير الموصل والرمادي، وقد يكون أسوأ بكثير.
والملاحظة الثالثة أن داعش يحقق الانتصار تلو الآخر في العراق وسورية، وهو يعرف أن الفرصة سانحة للتقدم، ولذا، فإنه ليس في وارد تغيير استراتيجيته الهجومية، وأمام العجز الدولي عن مواجهته، وتهاوي بنية النظامين، العراقي والسوري، فإنه يتصرف على أساس أن الطريق ممهدة أمامه، ليصير الطرف الأقوى في هذه المنطقة، وعلى امتداد الرقعة الجغرافية التي يتحرك عليها، ليس أمامه قوة غير إيران، فإما أن تدخل في مواجهة مكلفة معه في العراق أو تضطر لمهادنته.
لن يجد المارد المدعو داعش، على ما يبدو، من يقف في وجه مشروع دولته في العراق والشام، وفي ظل العجز عن مواجهته، لا يلوح في الأفق سوى مشروع تقسيم سورية والعراق إلى أقاليم مذهبية، وهنا الكارثة الكبرى.
المصدر : العربي الجديد