يدوخ السوريون ويحارون في كل ما يتعلق بهوية الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية ودوره. ويكثر الحديث، في كل اجتماع ومحفل، عن ضرورة إصلاح هذا الجسم السياسي الذي يتنطح لقيادة العمل الوطني السوري، لكنه يفتقر إلى المقومات التي تؤهله لذلك، ويقترف أخطاء صارت من لوازم وجوده، بدل أن يحرر السوريين منها، وينتهي به المطاف، في كل مرة، إلى “قيادةٍ” يتسم جهدها بالفردية والتخبط، بغض النظر عمن يتولاها.
هناك بنية تحكم الائتلاف، حالت، إلى اليوم، بين من يقودونه وإقامة توازنات توحيدية فيه، تسمح بتوجيهه نحو إنجاز المهام الثورية والاستباقية التي تقوم بها عادة القيادة الثورية، لكي تلقى أعمالها قبولاً وطنياً عاماً، وتنسجم مع تطلعات الشعب، وتجتاز، بنجاح، المراحل التي يمر نضاله بها.
وعلى الرغم من محاولات لم تنقطع، قام بها معظم الذين انتموا إلى الائتلاف، أو عملوا في إطاره، وعلى الرغم من وعود بالإصلاح، قدمها كل من رشح نفسه لأي موقع قيادي فيه، فإن الفشل كان حليف الجميع، وحليف الأعضاء الذين قدم كثيرون منهم خططاً إصلاحية، طاول بعضها العمل الوطني برمته، واستهدف تفعيل الائتلاف جسماً معترفاً دوليا بتمثيله الشعب السوري، وحقه في أن ينال حريته، ويقيم نظاما سياسيا من اختياره.
لم يقوّض هذا الفشل المتكرر، تماماً، فكرة إصلاح الائتلاف، سواء في ما يخص نظمه الإدارية وهيئاته، أو أساليب وطرق اتخاذ القرار فيه، أو نظرته إلى القضايا المطروحة عليه، وفي مقدمتها قضايا الثورة والصراع الدائر في سورية، الذي ترعاه أطراف متناقضة الأهداف والمصالح.
هل فشلت مشاريع الإصلاح لأنها اقتصرت على الإطار الداخلي الضيق للائتلاف، وإلى عدم طرحها خارجه: على الرأي العام الواسع، حيث يمكن لمطلب الإصلاح أن يصير شأناً وطنياً عاماً يتجاوز العدد المحدود لأعضائه، الغارقين في انقسامات وخلافاتٍ تدفع كل كتلة منهم إلى رفض ما يصدر عن الأطراف والكتل الأخرى من أفكار وخطط واقتراحات.
بسبب قصور الائتلاف وفوات سياساته، وما يشوبها دوما من نواقص وعيوب ، بدأت فصائل مقاتلة تبلور رؤية سياسية ووطنية عامة، ونشأت، شيئا فشيئاً، ظاهرة الفصائل العسكرية/ السياسية التي تتقارب وجهات نظرها، وتخلق أجواء عامة، يمكن أن تغدو حامل مشروع إصلاحي يفيد في تفعيل الائتلاف، إذا ما التقى توجهها مع سياسات “التجمع الوطني السوري”، بما يضمه من تيارات سياسات مختلفة: ديمقراطية وإسلامية، توافقت على عمل سياسي وطني الرهانات والممارسات، وقدمت مشاريع إصلاحية متعددة، واشتغلت بروحية التوافق وتجاوز التكتلات، ودعت إلى القيام بعمل منظم يخلو من العشوائية والتخبط…، ولكن من دون جدوى إلخ.
من هنا، فإن لقاء التيار السياسي/ العسكري مع خط “التجمع” وجهوده يمكن أن يبني الحامل الوطني المطلوب لإصلاح الائتلاف، من دون أن يضر بطابعه التمثيلي، وباعتراف العالم به ممثلاً للشعب السوري، علما أنه سيسهم، بالتأكيد، في إخراجه من عجزه وركوده، ويحوله إلى مؤسسة عمل وطني، تقوم، أخيراً، بالمهام التي فشل في تحقيقها.
هل يلتقي هذان التياران في حاضنة وطنية، تضم عددا كبيرا من أعضاء الائتلاف، إلى جانب الفصائل المقاومة، فتتحد قوى الثورة بلقائهم، وتتوفر الحوامل المناسبة لإصلاح مؤسستها الرئيسة، ولاندراج خط المقاومة السياسي في حاضنة الوطنية الجامعة، بما في ذلك من خير للسوريين، وإنعاش لآمالهم في انتصار حريتهم، وتخطّ لمصاعب أنتجها تشتتهم وعجزهم عن إقامة حد أدنى من الوحدة بينهم، في مختلف مجالات نضالهم؟
العربي الجديد _ وطن اف ام