السلاح الكيمياوي، غاز الكلور تحديدا، يطل برأسه في مجلس النواب الأميركي ويختفي، ثم يظهر من بين الكواليس في الأمم المتحدة، ويحضر أيضا على منابر التصريحات الرسمية والمؤتمرات الصحفية.
الكلور أيضا يشبه الوساوس، عالية الهمس أحيانا أو منخفضة وباهتة احيانا اٌخر، لكنها في الأعم حالة سورية خاض تجربتها عدد من الأطباء أو الناشطين وكانوا شهود عيان لجرائم ضد الإنسانية شملت الأطفال والنساء والشيوخ موثقة بالأفلام، ومنها ما تفاعل معه الحاضرون بالدموع في الهيئات والمنظمات الدولية والإنسانية.
مصدر هذا الغاز السام، البراميل المتفجرة الملقاة من طائرات النظام السوري، وقصته مماثلة مع غرف الإعدام بالغاز أيام الحرب العالمية الثانية وفظائع الإبادات، وهذا يعيدنا إلى ما قبل الضربة الكيمياوية في الغوطة الشرقية لدمشق، في 21 أغسطس 2013 التي أسميتها “11 أيلول الشامي” وراح ضحيتها أكثر من 1400 شخص، وكنت قد حذرت من وقوع الكارثة لأكثر من مرة، بسبب الوتر الحساس الذي تعزف عليه الإدارة الأميركية ووصفته بالخط الأحمر الذي لا يجب تجاوزه من قبل النظام، وإلا فإن العواقب ستكون وخيمة.
أعطى أوباما بتصريحاته المعلنة، الإذن المسبق لاستقدام التدويل والتدخل العسكري في الأزمة السورية التي تحولت بعد سنة من بدايتها إلى مأساة بكل المستويات الإنسانية والاقتصادية وتلاعبت بمصير وطن وشعب.
وتم تجاوز الخط الأحمر الأوبامي، عندما وقعت المجزرة أثناء وجود المفتشين الدوليين وعلى مقربة منهم، وتبادل الطرفان، أي النظام والمعارضة الاتهامات وحاول كل منهما الإيقاع بالآخر، وأظهرت بعض التسجيلات الصوتية وصور الأقمار الصناعية أماكن إطلاق الصواريخ والأوامر والإعداد لها من قبل النظام.
كنت من الذين يعتقدون أن من قام بالضربة كان يدرك تماما أن الأنظار ستتجه إلى المعارضة، لأن البديهيات تؤكد رغبتهم في اتهام النظام بخرق الخط الأحمر واستعمال السلاح الكيمياوي، ورغم المجازر التي سبقت ضربة الغوطة، إلا أن العالم استيقظ على فجر يوم فارق، وفيه علامات الانحطاط للأسرة الدولية وتفكك ميثاق شرفها، حينما انقسمت على نفسها متجاوزة الكائن البشري إلى المصالح السياسية والحلول المجتزأة، بما أدى إلى إطالة أمد الصراع ومداخلات التنظيمات وتحول الإرادات إلى مسارات مختلفة كليا.
تم مقايضة إبقاء النظام السوري مقابل تسليم السلاح الكيمياوي وفق القرار الدولي 2118 في 27 أيلول 2013، على أن يتم استكمال المهمة في منتصف 2014، وشمل ذلك غاز الأعصاب “السارين” وهو ما شخصه الخبراء في مجزرة الغوطة وباستخدام صاروخين أرض أرض لا تملكهما المعارضة حتما.
ما يلفت الانتباه أن المخزون من غاز الكلور لم يدخل في حسابات اللجنة المكلفة بإزالة الأسلحة الكيمياوية، وهو ما يعطي الانطباع بأن المجتمع الدولي قد أجاز استخدامه عندما تم استثناؤه من قرار التسليم.
خروقات عديدة حصلت بعد ذلك، ولم نشاهد أو نستمع إلى حماسة أوباما وتهديده المعلن بعدم السماح بأي تجاوز للأعراف الدولية والإنسانية، بل حتى على مستوى وزير خارجية أو دفاع، لم تصدر منهم أي تلميحات بخطورة استخدام الكلور، وهو سلاح كيمياوي بطاقات متباينة ويدخل ضمن الأسلحة التقليدية كعامل إبادة واختناق وأعراض أخرى.
التحول الأميركي في السياسة الخارجية جاء بعد مقتل سفيرها “جي كريستوفر ستيفنز″ إثر هجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي، أدى إلى مقتل 3 دبلوماسيين في 11 أيلول 2012 أثناء المظاهرات على إنتاج الفيلم المسيء للرسول.
ردود الفعل على الحادث داخل الولايات المتحدة كلفت أوباما الكثير من الانتقادات خاصة من الجمهوريين واعتبروا ذلك إخفاقا في الإجراءات والقرارات الراعية للبعثات الدبلوماسية، وكان مقتل السفير منعطفا في الخطاب وتريثا في الخطوات من قبل الإدارة الأميركية، بدا ذلك جليا في التخادم السياسي على حساب حياة الشعب السوري الذي دفع دم أبنائه ودمار مدنه والعيش في محنة اللجوء أو النزوح وتحطيم اقتصاده وما يحدث على أرضه.
ماذا لو حدثت الثورة السورية قبل الثورة في ليبيا؟ هل كان الناتو سيتدخل كما تدخل في ليبيا؟ أم أن المسار الليبي بعد الثورة أعطى مبررا للإبقاء على النظام السوري؟ ولماذا تأخر العالم في إصدار قرار ملزم بحظر طيران سلاح الجو للنظام السوري؟ هل حان الوقت ليرفع الكلور رأسه بثقة في الأروقة الدولية؟ هل هناك أمل أن تستدر صورة لطفلة تموت بغاز الكلور، دموع قرار دولي يشبه القرار 1973 المتعلق بحظر الطيران في ليبيا؟ أسئلة تقترب من الموت لكنها تسعى لصياغة حياة أخرى.
العرب اللندنية _ وطن اف ام