مقالات

سلام السعدي : إيران تتمسك بالأسد رئيسا لجزء من سوريا

راجع النشاط العسكري للمعارضة السورية المسلحة ممثلة بجيش الفتح في شمال البلاد بعد التقدم الكبير الذي تم إحرازه خلال الشهرين الماضيين. عاد الاستعصاء للظهور مجددا حيث التوازن العسكري في ميدان المعركة هو سيد الموقف.

ورغم أن المعارضة السورية فتحت جبهات أخرى، وخصوصا في حلب ودرعا، وحققت فيها تقدما نسبيا يمكن أن يتواصل في الأيام القادمة، لكن التقدم يبقى محكوما بسقف التوازن الإقليمي في المنطقة، حيث تقوم إيران دوما بتقديم جرعات إسعافية تعيد نظام بشار الأسد إلى لعبة التوازن وقد أوشك على الخروج منها.

من المفيد ملاحظة ردة الفعل الإيرانية على التقدم الجديد للمعارضة، وما قيل عن الإرادة الإقليمية لدى تحالف سياسي جديد يضم تركيا وقطر والسعودية بتغيير التوازنات القائمة، خصوصا وأن البعض ذهب باتجاه أن النظام السوري بات في طريقه إلى الزوال بسبب ذلك، وبسبب الإنهاك الذي أصاب إيران وجعلها غير قادرة على إسناد حليفها بالمزيد من الأموال والمقاتلين.

لكن التطورات اللاحقة أثبتت أن إيران لا تزال متمسكة، وبعناد شديد، بالنظام السوري. إذ عوضت تراجعه العسكري بجرعات كبيرة من الدعم شملت المال والمقاتلين. إنه سخاء إيراني كبير يجعل المرء يتساءل عن ماهية “المكافأة” التي تريد إيران الحصول عليها لتعوضها عن نزيف المال والدماء في سوريا.

الدعم الإيراني المالي المعلن لنظام الأسد جاء على ثلاثة قروض؛ كان أولها بعد أكثر من عام على اندلاع الثورة وتحديدا في منتصف العام 2012، وجاء الثاني في نهاية ذلك العام، أما الأخير فقدمته إيران قبل نحو شهرين فقط، وقد أعلن عنه حاكم مصرف سوريا المركزي أديب ميالة. ويبلغ المجموع الكلي للقروض، على مدار ثلاث سنوات، نحو 6 مليارات دولار.

لكن حجم الدعم المالي المعلن يبدو هزيلا مقارنة بما تسرب مؤخرا من تقديرات عن الدعم السنوي الذي تقدمه إيران للأسد بصورة غير معلنة. في أحدث الأرقام المنقولة عن المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، يقدر الدعم الإيراني للأسد بنحو 6 مليارات دولار سنويا، فيما يعتبر البعض أن ذلك المبلغ هو فقط من أجل دعم الاقتصاد السوري وقوات النظام، فيما يضاف إليه مبلغ مماثل مقدم لتسليح ودعم الميليشيات التي تقاتل إلى جانب الأسد، أي حزب الله والميليشيات الطائفية القادمة من العراق وأفغانستان، فضلا عن تسليح ودفع رواتب ميليشيات محلية تعمل إيران على تشكيلها، وكان آخرها “درع الساحل السوري”. هكذا، يمكن أن يصل المبلغ السنوي المقدم من قبل إيران لنظام الأسد إلى 15 مليار دولار سنويا، حسب “مركز فارس للدراسات الشرق أوسطية”.

كما تم الكشف مؤخرا عن أن تحليلات جديدة لحركة ناقلات النفط الإيرانية كشفت أن إيران تـزود النظام السوري عن طريق مرفأ بانيـاس بكل ما يحتاجه من النفط الخام الذي يقوم بتكريره في مصفاة بانياس لسد حاجـاته، وخصوصا مع فقدانه السيطرة على أكثر من 90 في المئة من آبار النفط في البلاد. خلال هذا العام فقط أرسلت إيران 10 ملايين برميل نفط، ما يعني مبلغا يقدر بنحو 600 مليون دولار خلال نصف عام فقط.

ربما تساعد العقوبات الاقتصادية إيران، على عكس ما يتوقع البعض، على تقديم الدعم النفطي للنظام، إذ أن العقوبات المفروضة عليها تحرمها من تصدير النفط إلى معظم دول العالم مع استثناءات قليلة ليست سوريا من بينها، وهي بذلك تمتلك فائضا كبيرا من النفط لا تستطيع استغلاله وهو متاح للنظام السوري.

لكن السؤال الذي يبقى مطروحا، ما هو الهدف النهائي لإيران في سوريا والذي يدفعها إلى تقديم كل هذا الدعم؟

تبدو إيران مدركة جيدا لما لا تريد، أكثر من إدراكها ماذا تريد بالفعل في سوريا حتى الآن. في المقام الأول، ترفض إيران بصورة قاطعة أي حل يمكن أن يسفر عن نظام سياسي ديمقراطي، إذ أن السلطة التي يمكن أن تنتج عن أي عملية ديمقراطية لا يمكن أن تكون موالية لإيران.

في المقام الثاني، لم تستطع إيران تحقيق معادلة التنازل عن الرئيس السوري بشار الأسد مقابل التمسك بنظامه. ليس لدى إيران ثقة بـ“النظام” في سوريا حتى تتخلى عن الأسد، هي تدرك أنه نظام عائلي تلعب فيه عائلة الأسد، والمقربون منها، دورا حاسما في بقائه.

ليس النظام السوري مبنيا على أساس حزب عقائدي طائفي موال لإيران كما هو حال حزب الله أو كما في العراق على سبيل المثال بحيث يجري استبعاد الأسد كما جرى مع المالكي والإبقاء على نفوذها. النظام السوري مبني على نفوذ عائلة ومقربين منها، ومهما كان الحل السياسي المقترح فهو يفترض استبعاد هذه الشريحة التي تؤمّن مصالح إيران حاليا ومستقبلا. ودون تغيير جذري في النظام السوري بحيث يصبح الولاء لإيران واسعا ولا يمر عبر شخص أو طغمة، فمن المتوقع أن تبقى إيران متمسكة بالأسد.

وفي المقام الأخير، تعزز الأموال الطائلة التي أنفقتها إيران، ولا تزال، لدعم الأسد رفضها لسوريا ديمقراطية موحدة، وتدفعها إلى تفضيل سلطة موالية لها يقودها الأسد على أي رقعة من “سوريا الجديدة”.

العرب اللندنية _ وطن اف ام

زر الذهاب إلى الأعلى