مقالات

أسامة الصياد – لماذا تُعيد السعودية بناء الجسور مع الإخوان إقليميًا؟

وقعت إيران اتفاقًا نوويًا تاريخيًا مع الدول الست الكبرى أو ما يعرف بمجموعة (5+1) “الولايات المتحدة، روسيا، الصين، ألمانيا، فرنسا، بريطانيا”، هذا الاتفاق كان له صداه المدوي في منطقة الشرق الأوسط بين مرحب بالاتفاق وبين قلق وبين متحفز ضده كدولة الاحتلال الإسرائيلي.

المملكة العربية السعودية بالتحديد القوة الإقليمية الأكثر نفوذًا عربيًا في هذه الآونة والتي باتت لها يدٌ عليا في غالبية ملفات المنطقة بعدما نجحت في تقزيم الدور المصري على مدار السنوات الماضية، كان رد فعلها على إبرام هذه الاتفاق بالترحيب الرسمي المشوب بالتحذير من إطلاق يد إيران في المنطقة بعد هذا الاتفاق.

لكن السعودية على مستويات أخرى أدركت أن الغرب والولايات المتحدة بالتحديد الحليف الإستراتيجي للسعوديين في المنطقة فضلوا أن يحل الجميع مشكلاتهم بأنفسهم في هذا الحزام الملتهب في المنطقة، حيث لم يعد متاحًا أن تكون الولايات المتحدة ظهيرًا للمملكة السعودية أمام إيران، والرسالة التي وصلت للسعوديين أن يدبروا شأنهم بأنفسهم.

السعودية متورطة إقليميًا كما إيران في عدة مناطق لعل أبرزها سوريا ولبنان والعراق ومؤخرًا اليمن، ناهيك عن قيادة السعودية لحلف إفشال الربيع العربي الذي نجح جزئيًا في إجهاض أو احتواء تلك الثورات، أما عن إيران فإنها نجحت في مد أذرعها الطائفية في المنطقة طوال الفترة الماضية عبر زراعة أذنابها في كل مناطق الصراع ودعم الأنظمة الموالية لها كالنظام السوري وتمويل حزب الله لإحكام السيطرة على المقدرات اللبنانية والدخول في شراكة إستراتيجية مع حكومة بغداد لملئ فراغ الأمريكيين بعد خروجهم من العراق، والدخول على خط الصراع اليمني بدعمها للحوثيين الذين قاموا بانقلاب كامل على السلطة المدعومة سعوديًا.

كل ذلك نحى بالقيادة السعودية للتفكير في كيفية التصدى لهذا المد الإيراني الذي سيزداد نفوذًا في المنطقة عقب إبرام الاتفاق النووي ورفع العقوبات الاقتصادية عن طهران، ولكن السعودية طوال الفترة الماضية تورطت في صراعات ومواجهات أكسبتها الكثير من العدوات، وقد أيقنت القيادة السعودية أنه حان وقت تسوية هذه الخلافات، فثمة تقارب سعودي قطري في وجهات النظر هذه الأيام يرى ضرورة الدخول في تحالف إستراتيجي مع الدولة التركية لبناء حلف سني مجابهٍ لإيران التي ستسعى هي الأخرى لبناء حلف إقليمي أكثر صلابة من ذي قبل.

حركات الإسلام السياسي السني في المنطقة هي أحد أشد أرقام المعادلة صعوبة بالنسبة للسعودية في أمر بناء هذا التحالف، وذلك بعدما أدرجت المملكة غالبيتها على قوائم الإرهاب في عهد الملك الراحل عبدالله وفي قلبها الحركة الأوسع انتشارًا على المستوى الإقليمي جماعة الإخوان المسلمين، ولكن الحاجة لبناء تحالف سني الآن لمواجهة إيران بالتنظيمات السنية على غرار الطريقة الإيرانية التي تفضل دعم تنظيمات إسلامية شيعية، هو الأمر الذي دعى السعودية لتأجيل مواجهة هذه الحركات الآن على حساب تقديم الخطر الإيراني.

السعودية الآن تفكر مرة أخرى في استخدام جماعة الإخوان المسلمين إقليميًا وبعض التنظيمات الجهادية التي قد تصل إلى القاعدة لمواجهة إيران في المنطقة، إذ إن هذا الأمر لا يمكن إطلاق عليه تحالف بقدر ما هو استخدام، لذلك عكفت على ترميم علاقتها بهذه الجماعات، آخر تجليات هذا القرار السعودي كانت استضافة المكتب السياسي لحركة حماس أكثر من مرة خلال أشهر قليلة.

مد الجسور مع حركة حماس

فلأول مرة منذ ما يقارب الخمس سنوات تبدأ المملكة في احتواء حركة حماس بعدما كان الموقف الرسمي من الحركة هو المقاطعة والانحياز لطرف السلطة الفسلطينية، فالسعودية رأت أن ثمة تباعد في المواقف بين إيران وحركة حماس على خلفية الصراع السوري، والسعودية تعلم جيدًا أيضًا أن إيران هي صاحبة الفضل الأول في تطوير قدرات حركة حماس العسكرية، إذن فالفرصة مواتية لاستقطاب الحركة وضمها إلى الحلف السني المزمع تشكيله.

هذه الرؤية لم تبرز إلا بعد صعود الملك سلمان إلى العرش، حيث رأت القيادة الجديدة أن بإمكانها لعب دور في القضية الفسلطينية عبر قيادة محادثات مصالحة مجددًا بين حركة حماس وحركة فتح كتلك التي رعتها في العام 2007 فيما عرف باتفاق “مكة المكرمة”، كذلك تريد السعودية احتلال موقع الراعي لاستئناف المفاوضات الفسلطينية الإسرائيلية بحيث تحصل على ورقة ضغط أمام الغرب، ولكن ربما تصطدم السعودية بهذه الأمنية بحليفها المصري الذي يُجيد استخدام هذه الورقة ويحتفظ بها منذ زمن بعيد.

كما تناثرت أنباء غير مؤكدة عن كواليس لقاءات لقيادات حمساوية مع القيادة السعودية الجديدة ممثلة في ولي العهد السعودي محمد بن نايف والتي تحدثت عن تقديم دعم للحركة في الفترات المقبلة مقابل فك الارتباط مع إيران، فيما تسربت أنباء أخرى نفتها حركة حماس عن قيام خالد مشعل رئيس المكتب السياسي للحركة بقيادة وساطة بين الرياض وحزب التجمع اليمني للإصلاح، الذراع السياسي لجماعة الإخوان هناك، بعد أن تدهورت علاقة السعودية معهم قبيل انقلاب الحوثي.

على صعيد آخر تضغط السعودية على حليفها في القاهرة لتغيير موقفه من حركة حماس وتخفيف الحصار على قطاع غزة وهو ما أثار نقاط خلاف بين الرياض والقاهرة على خلفية هذه المطالب.

 كذلك تريد السعودية جذب حركة حماس إلى صفها في الصراع السوري إذا ما انتهى الصراع بسقوط الأسد فإنه من المرجح أن تُقسّم سوريا إلى مربعات نفوذ كالتجربة اللبنانية في السابق، وترى السعودية أن حماس مرشحة لأن تكون أحد الفصائل المسيطرة على الأرض في سوريا بعد دخولها على خط المواجهة مؤخرًا في مخيم اليرموك.

مد الجسور مع إخوان سوريا

السعودية ترى أن الحل العسكري في سوريا هو الأنسب لهذه المرحلة للإطاحة ببشار الأسد حليف إيران في المنطقة، ومن ثم إعطاء الفرصة لأي حل سياسي بعد ذلك تكون في قلبه الحركات الإسلامية والفصائل المقاتلة على الأرض أسوة بالتجربة الليبية، لذلك جددت السعودية دعمها للعديد من الفصائل الإسلامية المقاتلة في سوريا، كذلك اتجهت لفتح خطوط اتصال مع جماعة الإخوان المسلمين في سوريا بالرغم من كون تأثيرهم القتالي على الأرض غير بارز، إلا أن السعودية تفعل ذلك من أجل مرحلة ما بعد بشار الأسد، حيث ترى المملكة أنه لا يمكن استبعاد جماعة الإخوان المسلمين في سوريا من أي حكومة انتقالية ستأتي بعد مرحلة بشار الأسد لذلك بادرت بفتح قنوات اتصال معهم، وهي نفس الرغبة القطرية التركية.

إعادة مد الجسور مع إخوان اليمن

بعد أن تورطت السعودية بإستراتيجيتها القديمة في مناهضة الإخوان المسلمين في اليمن؛ ما أدى إلى تمكن جماعة الحوثي من السيطرة على اليمن، وهو الأمر الذي أدى أيضًا إلى دخول السعودية في نفق الحل العسكري الذي لا تبدو له نهاية حتى الآن.

تحتاج السعودية في هذه الفترة إلى دعم الإخوان المسلمين في اليمن ممثلين في حزب التجمع اليمني للإصلاح الذراع السياسية للإخوان المسلمين هناك وهو نوع آخر من الاستخدام في المعركة أمام الحوثيين وكلاء إيران في اليمن، فالإخوان المسلمين يقودون ما تسميه السعودية بالمقاومة الشعبية التي تقاتل ضد مليشيات الحوثي، وتقوم المملكة بدعم كتائب المقاومة هذه بالسلاح والغطاء الجوي، ولا تستثني السعودية إخوان اليمن من المشاركة في أي حل سياسي قادم في الأزمة اليمنية وهو ما يبرز التفاهم الذي تم بين إخوان اليمن والسعودية.

السعودية تقف حائلًا بين التدخل العسكري ضد الإسلاميين في ليبيا

الواقع يقول إن المملكة العربية السعودية ترفض رفضًا قاطعًا فتح جبهة ضد الإسلاميين في ليبيا على عكس ما يراه محور مصر والإمارات الذي يرى ضرورة توجيه ضربات كعاصفة الحزم ضد قوات فجر ليبيا والمؤتمر الوطني الذي يغلب على تكوينه عناصر إسلامية من بينهم الإخوان المسلمين في ليبيا.

فالسعودية ترى أن المضي في مثل هذا الحل في ليبيا لن يمكنها من عقد التحالف السني الإقليمي الذي تتصوره ضد النفوذ الإيراني في المنطقة، حيث تنظر السعودية إلى الخطر الإيراني بأنه خطر “وجودي” يجب حشد كافة حركات الإسلام السني في مواجهته، ومثل تلك الضربات في ليبيا ستؤثر سلبًا على هذا التحالف بما أن هناك رابطة عضوية بين الإسلاميين بشكل أو بآخر.

بينما يرى محور مصر والإمارات أن الاستمرار في تصفية حركات الإسلام السياسي هو الأولوية في هذه الفترة، ويرى هذا الحلف أيضًا أن ثمة تضخيم من السعودية للخطر الإيراني، وبين هذا وذاك تتغلب الإرادة السعودية حتى الآن في منع أي تدخل عسكري في ليبيا ويأتي مع ذلك عوامل دولية أخرى.

المحور المصري الإماراتي عقبة أمام تلك الجسور

تورطت السعودية أيضًا في تنفيذ انقلاب على حكم جماعة الإخوان المسلمين في مصر الممثل في الرئيس السابق محمد مرسي المعتقل حاليًا والمحكوم عليه بالإعدام، في حين تريد السعودية الآن مع المتغيرات الجديدة أن تُهدئ من حدة العداء مع الجماعة الأم في مصر، لكن حليف السعودية في السلطة الجنرال عبدالفتاح السيسي ماضٍ في خط التصفية ويرفض الدخول في مفاوضات أو الوصول لهدنة بين نظامه والجماعة، وهذه نقطة خلاف جديدة بين المملكة السعودية والنظام في مصر.

فالأنباء تحدثت عن رفض السيسي وساطة سعودية لعدم تنفيذ حكم الإعدام بحق مرسي، وكذلك أتت الأنباء متحدثة عن دعوة لراشد الغنوشي زعيم حركة النهضة الإسلامية بتونس والتي تنحدر عن فكر جماعة الإخوان في مصر مفادها أن تقود السعودية عملية مصالحة بين النظام والإخوان في مصر، لكن تصلب موقف النظام المصري يضع عراقيل أمام المضي نحو أي خطوات جدية في هذا الطريق.

القيادة السعويدة ترى أن على النظام المصري الآن اتخاذ مواقف أكثر مرونة وبرجماتية مع حركات الإسلام السياسي، فيما لا يرى النظام المصري عدوًا سوى تلك الحركات وهو الأمر الذي يبني عليه النظام المصري شرعيته الآن داخليًا وخارجيًا لذلك يصعب عليه أن يتخذ موقفًا مرنًا أمام تحركات السعودية للتواصل مع الجماعة.

النظام المصري أرسل عدة رسائل للسعودية مفادها أن عملية التقارب مع جماعة الإخوان المسلمين إقليميًا تمثل خطرًا على وجوده كنظام حليف للسعودية، حيث ترفض مصر التقارب مع حركة حماس بالصورة التي تفرضها السعودية، ووضعت شروطًا تعجيزية أمام حماس لتغيير الموقف المصري منها، كذلك ترفض القاهرة أي حل في اليمن يتضمن وجود ممثلين للإخوان في اليمن، وهو الأمر نفسه في سوريا.

يظهر ذلك الأمر جليًا في التواصل من الجانب المصري مع الحوثيين وحزب الرئيس اليمني المخلوع علي عبدالله صالح لمحاولة فرض واقع يستبعد إخوان اليمن من الصورة، وكذا الأمر في سوريا تعارض القاهرة رؤية السعودية في الحل العسكري، ويرى النظام المصري أن هناك حلًا سياسيًا للأزمة، وكل هذه الاختلافات تقف عائقًا أمام السعودية في استكمال عملية التواصل مع جماعة الإخوان المسلمين إقليمًا.

القاهرة بدأت تتخذ هذه المواقف المعاكسة للإرادة السعودية بعد أن وجدت في الحليف الخليجي الآخر “الإمارات” نفس الرغبة والاتفاق، فكل مواقف الإمارات الإقليمية الحقيقية ولا نتحدث في هذا الصدد عن الأحاديث الرسمية تجد لها صدى في القاهرة بتنسيق أو بدون تنسيق، ولكن الحرج الخليجي أحيانًا يجعل الدولة الإماراتية لا تستطيع البوح به إلا عن طريق لسانها في القاهرة.

وقد يتضح هذا في هجوم نائب رئيس الشرطة، والأمن العام في إمارة دبي على سياسة السعودية في المنطقة بعد تولي الملك سلمان زمام الأمور عقب وفاة أخيه الملك عبدالله، أتت تغريدات خلفان التي اتهمت السعودية بتربية تنظيم الإخوان في الخليج بعد أيام من استضافة السعودية لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل، وكذلك استقبال السعودية للقيادي الإخواني اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني رئيس هيئة علماء اليمن، وهو ما أثار سخط المتابعين السعوديين الذين طالبوا السعودية برد رسمي على تجاوزات خلفان.

المصدر : نون بوست 

زر الذهاب إلى الأعلى