منذ صعود تنظيم الدولة الإسلامية (المعروف باسم داعش) أظهر التنظيم الأطفال بشكل بارز في حملاته الدعائية. في الأسابيع القليلة الماضية، نشر التنظيم ثلاثة مقاطع فيديو قصيرة لأطفال تتراوح أعمارهم بين 10 و 15 سنة، وهم في التدريب، كما نشر مقطعًا آخر يظهر فيه الأطفال أثناء ارتكاب الجرائم الأخرى. ويصور أحد مقاطع الفيديو مجموعة من الفتيان وهم يشاركون في تدريب بالذخيرة الحية داخل ما يُعرف باسم “بيت القتل”، وهو مكان داخلي للرماية يُستخدم لتدريب المجندين بالذخيرة الحية حول كيفية التسلل إلى مبنى سكني والسيطرة عليه.
يتعلم الأطفال كيفية الوصول إلى المبنى واقتحامه قبل الانتقال من غرفة إلى غرفة، ويتعلمون أيضًا كيفية إخضاع وإزالة المقيم بالمبنى لاستخدامه كرهينة. كما يتم تدريب الأطفال كقناصة، وتعليمهم كيفية نصب كمين لسيارة متحركة. وفي يوم 4 يوليو، نشر التنظيم شريط فيديو يظهر فيه الأطفال وهم يعدمون 25 جنديًا سوريًا، وفي شريط فيديو آخر نُشر عن مذبحة سبايكر في تكريت، كان الأطفال بين منفذي حُكم الإعدام.
بالنسبة لداعش، الأطفال ليسوا مجرد دعاية لا تُقدر بثمن؛ بل هم محاربون يمكنهم القتل. إنهم ما يطلق عليهم التنظيم “أشبال الخلافة”، وهي الظاهرة التي درسناها في الكتاب الذي سيصدر قريبًا بعنوان “الأسلحة الصغيرة: الأطفال والإرهاب“، والذي يتناول العديد من الطرق التي تجنّد بها المنظمات الإرهابية الأطفال في جميع أنحاء العالم. وبعد تحليل دقيق للحملات الدعائية، ووسائل التواصل الاجتماعي لتنظيم داعش، ومقابلات أجراها صحفيون آخرون وعمّال الإغاثة مع الأطفال الهاربين، أصبح لدينا صورة واضحة عن شكل التجنيد والتدريب داخل التنظيم.
يقع أطفال داعش في خمس فئات: أولئك الذين ولدوا لمقاتلين أجانب أو مهاجرين، وأولئك الذين ولدوا لمقاتلين محليين، وأولئك الذين تم التخلي عنهم ووجدوا طريقهم إلى دار الأيتام التي يسيطر عليها داعش، وأولئك الذين أُخذوا قسرًا من والديهم، وأولئك الذين انضموا طواعية إلى التنظيم.
يميل الأطفال في معسكرات التدريب إلى أن يكونوا من أولئك الذين أُخذوا من أسرهم أو وُجِدوا في دور الأيتام. ومن ناحية أخرى، يميل الأطفال في المدارس التي يسيطر عليها داعش إلى أن يكونوا من أولئك الذين تطوعت بهم أسرهم. وهناك نسبة متزايدة من الأطفال ينضمون إلى داعش نتيجة لعملية الاستمالة؛ حيث يغرس التنظيم في روحهم الالتزام والصداقة الحميمة.
وفي حين أنّ العدد الفعلي للأطفال الذين يقاتلون في سوريا غير معروف حتى الآن، فإن هناك 194 حالة وفاة للأطفال الذكور “غير المدنيين” حدثت بين سبتمبر عام 2011 ويونيو عام 2014، وذلك وفقًا لإحصائيات مركز توثيق الانتهاكات. وفي يونيو عام 2015، ذكرت الأمم المتحدة أنّ 271 من الفتيان و7 من الفتيات تم تجنيدهم من قِبل الجماعات التابعة للجيش السوري الحر، ووحدات حماية الشعب الكردية، وتنظيم داعش، وجبهة النصرة. في 77% من هذه الحالات، كان الأطفال مسلحين أو تم استخدامهم في القتال، وكان واحد من بين خمسة منهم تحت سن الخامسة عشر.
يختلف هذا النمط عن تجنيد الأطفال في العديد من الأماكن الأخرى، لا سيما في الدول الأفريقية، حيث يكون الأطفال المعدين للقتال في الغالب من الأيتام. وبشكل عام، لم يكن لدى هؤلاء الأطفال آباء؛ ولذا يجري اختطافهم أو يتخلى عنهم القائمون على رعايتهم. بعد ذلك، يعمل أعضاء التنظيم على تهيئتهم اجتماعيًا لتكوين علاقات وثيقة مع باقي الأعضاء ليحلوا محل أسرهم. وفي هذا الصدد، تتشابه أنماط تجنيد داعش مع جبهة تحرير مورو الإسلامية في الفلبين، حيث يتواجد أولياء الأمور هناك أيضًا ويشجعون أبناءهم على الانخراط في القتال. ويمكن إيجاد أمثلة على جلب مقاتلي داعش لأطفالهم إلى منطقة القتال من المملكة المتحدة، حيث الأخوات الثلاث خديجة داوود، وسوجرا داوود، وزهرة داوود، في أوائل الثلاثينات من عمرهن، ولدوا في المملكة المتحدة، وتركن أزواجهن من أجل الانضمام إلى داعش، وأخذن أطفالهن التسعة إلى سوريا. وقبل ذلك، في فبراير الماضي، اختفت أربع فتيات من أكاديمية بيثنال جرين في لندن، ومنذ ذلك الحين أكّد والدا الفتيات المفقودات أنّ بناتهما قد تزوجن مقاتلين أجانب في داعش.
هناك مئات من الأطفال الأجانب الذين وصلوا بطريقة مماثلة إلى سوريا من أوروبا والشرق الأوسط وجنوب آسيا. وعندما يصلون إلى سوريا، يجري تسجيلهم في واحدة من العديد من المدارس الدينية، اثنتان منها مخصصتان لتلبية احتياجات المتحدثين باللغة الانجليزية. وتمثل هذه المدارس جانبًا واحدًا من استراتيجية داعش لتحويل الأطفال من مجرد متفرجين إلى مقاتلين أكفاء ملتزمين بشكل كامل، وهو نموذج منهجي ومؤسسي قائم على إساءة استخدام الأطفال، ويحتوي على ست مراحل مختلفة: التنشئة الاجتماعية، والتعليم، والاختيار والتدجين، والتخصص، والتمركز.
التنشئة الاجتماعية
في البداية، يستميل تنظيم داعش الأطفال عن طريق التلقين، ولكن من خلال التنشئة الاجتماعية التدريجية. ويفعل التنظيم ذلك بعدد من الطرق، ولكن الأكثر وضوحًا بين هذه الطرق، يحدث من خلال المناسبات العامة التي تهدف إلى رفع مستوى الوعي حول الفرص التي يقدمها التنظيم. بعض من هذه المناسبات، والتي تكون في كثير من الأحيان على نطاق صغير، تجذب الأطفال من خلال تقديم لعب مجانية وحلوى. يمكن للأطفال المحليين في هذه الأحداث الاجتماعية المساعدة من خلال التلويح بالراية السوداء، وهي علم داعش.
تحت حُكم داعش، يتم تشجيع الأطفال بشكل روتيني ليشهدوا عمليات الإعدام العلنية. في البداية، يشاهد الأطفال عمليات إعدام مصورة، ثم يحضرونها بأنفسهم. وفي أشرطة الفيديو الدعائية، نلاحظ الأطفال يتدافعون بين صفوف البالغين للوصول إلى وضع يسمح لهم بالرؤية المباشرة للحدث. وسرعان ما يتعلم الأطفال لماذا يقسّم العقاب البدني، وبفضل المشهد الروتيني لمثل هذه الأحداث، يستوعب الأطفال هذا العنف ويعتبرونه طبيعيًا.
يقوم التنظيم بمكافأة الأطفال المقاتلين من الأجانب حتى على مشاركتهم الثانوية. في أشرطة الفيديو الدعائية لداعش، يقفون أمام الكاميرا بتوجيه من المصورين حول كيفية التصرف، وفي بعض الحالات، تتم الإشادة بالأطفال لإشهار السلاح أو رفع الرؤوس المقطوعة لضحايا داعش.
وفي هذا الصدد، يشبه تنظيم داعش العديد من الجماعات المتشددة والمتطرفة الأخرى؛ حيث تجبر تلك الميليشيات الأطفال على الانخراط في الأعمال البشعة منذ اليوم الأول؛ من أجل منعهم من الانشقاق. ومن خلال إجبار الأطفال على المشاركة في الأعمال المروعة، تضمن الميليشيات عدم تقبل أفراد أسرهم لعودتهم. إنها واحدة من الطرق التي تغلق بها الميليشيات كافة الخيارات للهروب. ولكن داخل داعش، ينخرط الأطفال في الأعمال الوحشية مع تشجيع وموافقة والديهم. كما أنّ انتهاك الأعراف الاجتماعية لا يسبب أن يُطرد الطفل دون وجود طريق للعودة إلى المنزل، وإنما هي وسيلة للمشاركة كطرف من الداخل.
التعليم، والاختيار والتدجين
بعد حضور المناسبات الاجتماعية، تحدث الخطوة التالية في التلقين من خلال التجنيد في إطار برامج التعليم المجاني للنظام. بعد أن انحدرت سوريا في حالة من الفوضى، فرض داعش سيطرته على العديد من المدارس والمساجد. وبالرغم من أن العديد من معلمي المدارس السورية الأصليين ظلوا في مواقعهم، لكنهم الآن يدرسون منهجًا يسيطر عليه داعش من خلال التمييز بين الجنسين؛ وهو منهج يتضمن التدريب على الأسلحة والتكيف الأيديولوجي. الحضور في المدارس ليس إلزاميًا، ولكن الكثير من الآباء يرسلون أطفالهم عن طيب خاطر. ولكن في عدد قليل من الحالات يرفض الأهل الامتثال، ويتم تهديدهم.
في هذه المدارس، يتعلم الأطفال بشكل منهجي أيديولوجية داعش، الأمر الذي يجعلهم أقرب إلى بعضهم البعض وكذلك لأعضاء التنظيم الذين يبحثون عن الأطفال ذوي الموهبة لضم ” شبل ” جديد إلى أحد معسكرات التدريب المخصصة للمجموعة. تأتي البرامج التعليمية على النقيض من معاملة الجنود الأطفال في أفريقيا، الذين عادة لا يتلقون أي نوع من التعليم. خلال حملات التنظيم الخاصة في أفريقيا، لا تدير الميليشيات في ليبريا أو أوغندا المدارس لإعداد الجيل القادم من المقاتلين. يُنظر إلى الأطفال باعتبارهم مجرد طعمة للمدافع، وهذا يجعل التعليم غير منطقي. ولم تهتم تلك الميليشيات بخلق اتفاق أيديولوجي، لكنها كانت بحاجة إلى جثث للقتال.
هنا، تشارك داعش الكثير من القواسم المشتركة مع الحركة السريلانكية “نمور التاميل”، والتي تستخدم الدعاية في المدارس لجذب المجندين الشباب. وقد اتبعت الماويون في نيبال سياسات مماثلة عندما حاربوا ضد الحكم الملكي في البلاد خلال الحرب الأهلية التي استمرت عشر سنوات والتي بدأت في عام 1996. وترى راجيندا شاكيا من منظمة التنمية الهولندية، أنّ الماويين استخدموا التعليم لبناء الإحساس بالهوية عند الأطفال الصغار من خلال منهج دراسي موحد. وقدّم المتمردون الوصول الإلزامي لتعليم الفتيات، والقضاء على التمييز على أساس الطائفة أو إجبار المدرسين على الامتثال للقواعد واللوائح الخاصة بهم، وحظر دراسة اللغة السنسكريتية. وأعرب الماويون عن رأيهم بأن التعليم أمر أساسي لخلق جيل جديد من الثوريين المستنيرين.
ومثل سري لانكا والجماعات النيبالية، يخلق تنظيم داعش شعورًا بالفخر، والهيبة، والمنافسة داخل الطلاب في “نادي الأشبال.” لن يكون كل طفل مؤهلًا للتدريب العسكري؛ بل يتم إعدادهم الطلاب الأصغر سنًا في البداية كجواسيس وتشجيعهم على الإبلاغ عن أفراد الأسرة أو الجيران الذين ينتقدون التنظيم أو يخالفون تنفيذ أحكام الشريعة. يدرك هؤلاء المجندون الشباب أنهم يقومون بعمل جيد، ومن ثم يمكنهم الوصول إلى تدريب الأشبال.
إذا فعلوا ذلك، يخضعون لعملية منهجية مماثلة تنطوي على التلقين والتدريب البدني. يحاكي الأطفال قدوتهم من الكبار: يرتدون زيًا مشابهًا ويتعلمون اللغة المتداولة. كما يتم تعليم الأطفال عن “العدو” (عن غير المؤمنين) ولماذا يجب استئصالهم.
عندما يتعلق الأمر بالتدريب العسكري، هناك بعض التناقضات الكبيرة بين أشبال داعش والتكتيكات التي كانت تدرس للجنود الأطفال أثناء الصراعات في ليبيريا وسيراليون وأوغندا. تعتبر الميليشيات الأفريقية الأطفال كأعضاء ذوي مهارات منخفضة في الجيش قيمتهم الوحيدة هي شبابهم وسهولة توافرهم. ستيوارت ماسلن، منسق ائتلاف من أجل وقف استخدام الجنود الأطفال، جادل بأنّ الجنود الأطفال في أفريقيا يتلقون القليل من التدريب، وكثيرًا ما يتم ذبحهم، وأنّ الأطفال الذين يرفضون إطاعة الأوامر أو يحاولون الهرب يتم قتلهم بكل بساطة. وعلى النقيض من ذلك، أعطت حركة نمور التاميل المجندين الجدد بندقية خشبية لإعدادهم وتدريبهم على استخدام السلاح.
يقول ماسلن، وكذلك شارو لاتا هوغ الباحثة بمركز تشاتام هاوس في آسيا، إنّ الأطفال يعملون في البداية كرسل وجواسيس، ولكن يتم استخدامهم كمقاتلين في سن العاشرة عندما يكونون أقوياء بدرجة كافية لإطلاق النار. كما يتلقى الفتيان التدريب على القتال في وقت أقرب من الفتيات. وبين المجموعات المسلحة الفلسطينية، تجنّد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الأطفال للأنشطة الثقافية والتعليمية، حيث يتم تقييم أدائهم لعضوية الجبهة. ومع ذلك، يُسمح بالعضوية التطوعية في الجبهة في سن الثامنة عشر فقط.
ومثل غيرهم من الأطفال في المناطق التي يسيطر عليها داعش، يشهد المجندون من أشبال التنظيم بشكل روتيني عمليات الصَلب، والرجم، وقطع الرؤوس. ولكن الأشبال ينتقلون من رؤية عمليات الإعدام إلى مرافقة السجناء نحو موتهم الحتمي. في حالة واحدة يوزع الأشبال السكاكين على البالغين قبل قطع الرؤوس، وبعد مرور 14 شهرًا، ينفذون عمليات الإعدام بأنفسهم. هذا هو الاختبار النهائي، والأكثر تطرفًا لإثبات الولاء داخل التنظيم.
سرديات الأشبال السابقين المقدمة للمنظمات غير الحكومية المحلية ترسم صورة قاتمة للحياة اليومية في المعسكرات. يتم دفع الأطفال إلى أقصى حدودهم الذهنية والبدنية، ويُجبرون على النوم على مراتب تنتشر فيها البراغيث. ولكن تجاربهم تعزز الشعور بالألفة. هذه العلاقات الوثيقة تتحول في نهاية المطاف إلى فخر شديد بما يقومون به. الجنود الأطفال في الصراعات الأفريقية، من ناحية أخرى، لم يحصلوا على الدخول التدريجي في الحياة العسكرية. لقد تم فصلهم وعزلهم عن أسرهم وإبعادهم عن قراهم أو إجبارهم على قتل أفراد الأسرة من أجل تدمير خيارهم في العودة إلى ديارهم.
التخصص والتمركز
على الرغم من أنّ الأشبال في تنظيم داعش لهم أدوار متعددة ومتداخلة، فإن كثيرًا منهم يتمتع بمهام متخصصة. يتم تعيين بعضهم في نقطة تفتيش أو أداء مهام الحراسة الشخصية، والتي قد تشمل أيضًا ارتداء حزام ناسف، حتى لو أنهم لن يكونوا بمثابة الانتحاريين. ومع ذلك، بدأ تنظيم داعش في استخدام الانتحاريين البالغين من العمر 14 عامًا هذا الصيف.
الأطفال الذين يبدون الاستعداد للتواصل والحصول على فهم أعمق للأيديولوجية يتم نشرهم كمجندين، ويلعبون أدوار المتحدث العام التي تسمح لهم بتجنيد أطفال آخرين. لا يحفز هؤلاء المجندون الأطفال البالغين فقط، بل يستميلون المزيد من الأطفال بوعود المكانة الاجتماعية المرموقة، والهدف، والإعجاب من المسلحين والجمهور على حد سواء.
يتحرك الأشبال حديثو التخرج بالزي الكامل مع أسلحة كثيرة للإشارة إلى قوتهم وانضباطهم. وفي أشرطة الفيديو الدعائية، يُطلب منهم الوقوف بثبات وتحمل الضرب من القادة الكبار. في الخلفية، يوجد عشرات من الأطفال الأصغر سنًا ينظرون في دهشة تامة وبإعجاب في الوقت نفسه. تُكرر هذ الدورة نفسها مع كل موجة من الخريجين تسحب المزيد من المجندين الأطفال.
الأولوية القصوى للمنظمات الإرهابية هي البقاء، ولذا فإنّ ضمان الاستمرارية والصمود هو الأهم بالنسبة لأي تنظيم. يُعدّ تنظيم داعش أكثر تعقيدًا من المنظمات الإرهابية في الماضي، وكذلك جهوده لإعداد الجيل القادم؛ إذ يدرك جيدًا مبادئ التجنيد التي وضعتها العديد من الجماعات المسلحة في جميع أنحاء العالم، ولكنه يقود نموذجًا خاصًا به للبقاء من خلال الجمع بين التدريب البدني والعسكري المكثّف مع مستويات عميقة من التلقين النفسي التي نادرًا ما وُجدت حتى في تجنيد الإرهابيين البالغين. في الواقع، وضع داعش خطة منهجية لا من أجل إنتاج مجموعة من الحمقى، ولكن نشطاء شباب أكفاء يتبنون حقًا كل جوانب تعاليم التنظيم.
في أدبيات الجنود الأطفال في أفريقيا، يتم تجنيد الأطفال لا من أجل مستقبل ولكن من أجل الوقت الحاضر. ويُقتل كثير منهم في المعركة ويترقى قلة منهم في الصفوف ليصبحوا قادة كبار للجماعات الإرهابية. يأخذ داعش وجهة نظر أطول، ولذلك فإنّ ما يبدو أنّه قد نجح بالنسبة للعديد من عمليات نزع السلاح والتسريح وبرامج إعادة الإدماج في أفريقيا (الأدوار التحويلية بمساعدة من الأسرة والمجتمع والهيئات الدينية والتعليمية) ربما لا ينجح في سوريا، حيث يتبنى داعش هذه المؤسسات ويسيطر عليها ويشوهها.
إذا أردنا أن يكون لدينا أي أمل في إعادة إدماج هؤلاء الأطفال الذين تركوا داعش ولا زالوا على قيد الحياة، ثمة شيء واحد مؤكد: أنّ هذا سوف يتطلب مستوى من التنسيق والإبداع لم نشاهده في أي برنامج لنزع التطرف حتى الآن.
وتتطلب عملية التسريح نهجًا متعدد الجوانب يعالج الصدمة النفسية التي يعاني منها الأطفال (الناتجة من مشاهدة عمليات الإعدام)، وكذلك آثار بعد المشاركة في أعمال العنف. ولذلك؛ فالأطفال بحاجة إلى إعادة تعليم حتى يتمكنوا من التخلص من فكرة وجود تشوهات في العقيدة الإسلامية، فضلًا عن التدريب المهني. ومن المرجح أن يكون هؤلاء الأطفال لديهم مشاكل في التنشئة الاجتماعية، كما أنهم قد يفتقرون إلى التعاطف ويعانون من مشاكل في التواصل.
بالرغم من وجود برامج لمعالجة الأطفال في المنظمات المسلّحة (على سبيل المثال، سابون في وادي سوات في باكستان)، إلّا أنّ أسرة الطفل تلعب دورًا إيجابيًا في إعادة الإدماج.
وفي حالة داعش، فإنّ الأسرة هي التي شجعت وعرّضت الأطفال للعنف بالأساس، ولذلك سيتوجب فصل الأطفال عن أعضاء الأسرة، وهذا يجعل عملية التطبيع أكثر تحديًا. وفي حين أن هذا بالتأكيد سيكون معقدًا، لكننا لا نمتلك أي خيار سوى أن نبدأ التخطيط لذلك من الآن.
ترجمة: صحيفة التقرير