مقالات

عبد الله مفلح – داعش بنت الذين !

لا يخالجني الشك أنَّكم مللتم من كثرة القراءة حول داعش؛ فلقد كُتِب في داعش ما لم يكتب في أحد قبلها.

لن أتكلم عن حقيقة داعش، ولا عن أفرادها. سأتكلم فقط عن الأسباب “الموضوعية” -بزعمي- لظهور داعش.

أخبرني صديق كندي عن مقولة يتداولونها في الغرب تقول: “كلما أشرت بإصبع الاتهام إلى شخص، أشارت الأصابع الأخرى في يدك باتجاهك”، وهي مقولة صحيحة تمامًا.

الكل يتهم الكل في ظهور داعش. إيران تتهم السعودية، والسعودية تتهم إيران، والسنَّة يتهمون نظام بشَّار، ونظام بشَّار يتهم السنَّة، والسنَّة والشيعة يتهمون أمريكا والغرب، وأمريكا والغرب يتهمون السنَّة والشيعة، وهكذا.

الصحيح في نظري هو أن الجميع متهم ومشارك في جريمة ظهور داعش، بما فيهم العلماء والمشايخ؛ بل والعسكر الانقلابيون.

لنعد قليلًا إلى الوراء:

كان يا ما كان قبل 4 سنوات. كانت هناك ثورة سلمية مدهشة في بلد يُسمى سوريا. قام فيه نظام طائفي مجرم بقتل المتظاهرين السلميين الذين خرجوا يهتفون للحرية في درعا، وكانوا من السنَّة. ورغم هذا استمرت الثورة في سلميتها، ظانة أن سلميتها أقوى من الرصاص، وأن جيش الوطن سيرفض أن يقتل الشعب الذي يتظاهر بسلمية. كيف لا وقد انحازت الجيوش في تونس ومصر وليبيا إلى ثورات شعوبها ورفضت الانصياع للأوامر العليا بقتلهم في الشوارع.

للأسف لم يحصل ما توقعه الشعب السوري، وانحاز الجيش بطائفية مقيتة إلى جانب الرئيس؛ فتم قتل الناس في الشوارع، وضربهم بالكيماوي، وقتل أطفالهم ونسائهم بالسواطير والسكاكين في جرائم لم يشهد العالم لها نظيرًا.

وطوال 8 أشهر من السلمية والضحايا والمذابح تحت سمع وبصر العالم المتحضر، لم يتحرك أحد.

ولنقف ونفكر هنا: ما ظنكم بشاب مسلم يرى كل هذا القتل الذي مارسه الجيش الطائفي المجرم على أطفال السنَّة ونسائهم الضعفاء ليل نهار دون أي تدخل دولي أو عربي حقيقي لوقف المجازر؟!

تحولت الثورة إلى العسكرة بعد أن وجدت أن ليس ثمة مركب إلا العسكرة، فما حيلة المضطر إلا ركوبها. تم تأسيس الجيش الحر، وبدأ الشباب المسلم المعتدل والمتشدد والخارجي والتكفيري بالتوافد على سوريا من كل مكان. كانت الكلمة العليا للجيش الحر وقياداته، وكان الكثير من الشباب الجهادي يعمل تحت مظلته. حدثت الضربة النوعية بتفجير خلية الأزمة، وقتل كبار قيادات النظام. وكان النظام على وشك السقوط؛ لكن سببين رئيسين منعا ذلك: الاستقطاب الحاد بين الدول الممولة لفصائل الجيش الحر، ثم دخول قوات حزب الله وميليشيات “أبو الفضل” الشيعية للقتال إلى جانب النظام.

ولنقف مرة أخرى ولنتخيل: لو كانت الدول الداعمة للجيش الحر تركت الاستقطاب جانبًا؛ فدعمت الجيش الحر بالسلاح النوعي بدل الخضوع للأوامر الأمريكية بعدم تسليح الجيش الحر، وسقط نظام بشَّار. هل كنَّا لنشهد ظهور داعش أو النصرة في سوريا؟

المهم، كان ظهور الميليشيات الإسلامية المتشددة والمدربة على نحو جيد وتسيدها للمشهد مسألة وقت، خصوصًا مع ذوبان ألوية كبيرة من الجيش الحر في هذه الميليشيات التي يقاتل بعضها بشجاعة وكفاءة كبيرة.

كانت أمريكا والغرب يعلمون جيدًا أن القاعدة ستأتي، وأن تنظيمًا أكثر دموية من القاعدة سيظهر. كانت أمريكا والغرب ينتظرون ليستفيدوا كعادة المجرمين الانتهازيين في الإمبريالية المتوحشة.

كان كل شيء يدل على أن تنظيمات سنية جهادية ستأتي لتملأ الفراغ العسكري الذي كان ينبغي أن تملأه الجيوش العربية لوقف المذابح والمجازر الطائفية التي ارتكبها الجيش الطائفي والميليشيات الشيعية الداعمة له. الأمر الذي يعني طحنًا داخليًا تخرج منه جميع الأطراف خاسرة ومنهكة، وتحت السيطرة الإسرائيلية، كأهم مكاسب الإمبريالية المتوحشة.

فجأة ظهرت داعش، وأعلنت عن نفسها بقوة، وطرحت نفسها بوصفها المكافىء السني المتوحش للجيش الطائفي والميليشيات الشيعية المتوحشة. زاد وهج داعش مع سيطرتها على دير الزور، ومذبحتها التي ارتكبتها ضد ضبَّاط النظام الطائفي في مطار الطبقة.

انضمت لداعش بعض المجموعات، فتعاظمت قوتها، وتمددت. ثم جاء استيلاؤها على الموصل لتكون الضربة الأكبر؛ فلقد ارتفع عدد مقاتليها بعد الاستيلاء على الموصل إلى 30 ألفًا في العراق و50 ألفًا في سوريا بحسب بعض المصادر. وأصبحت الخلافة أمرًا واقعًا بعدما كانت مجرد حلم بالنسبة للدواعش.

هنا بدأت أمريكا بفرك يديها في انتظار صفقات الأسلحة الخليجية؛ فهي تعلم جيدًا أن داعش ستستهدف دول الخليج، وخصوصًا بعد اعتبار داعش أن انضمام دول الخليج إلى التحالف الدولي ضدها كفر وردة وخروج عن الدين مما يبرر لها استهداف هذه الدول. وبطبيعة الحال ستحتاج دول الخليج إلى أجهزة عسكرية متطورة تضبط التسلل على الحدود، وأجهزة أخرى حديثة تمكنها من رد أي عدوان داعشي محتمل.

هل لاحظتم التدرج في السياق؟

هل لاحظتم عدد اللاعبين على المشهدين السوري والعراقي؟

الحبل ما زال على الجرَّار، والأيام حبلى. لكن، لنتوقف هنا عن سرد ما جرى، ولنسأل أنفسنا:

أليست أمريكا أحد أسباب ظهور داعش برفضها أي تدخل عسكري ضد نظام بشَّار، ومنع تسليح الجيش الحر بمضادات الطيران لإيقاف براميل بشار التي تحصد الأرواح يوميًا، واكتفائها بالضغط عليه لتسليم أسلحته الكيميائية التي قتل بها آلاف السوريين؛ لأنها قد تهدد أمن إسرائيل؟

أليس الغرب مشاركًا لأمريكا في حماية نظام بشار ومنع سقوطه بوقوفه متفرجًا على مجازره ضد السنَّة، بينما ينتفضون ويضربون بقوة حين يكون الضحايا من المسيحيين أو اليزيديين أو الأكراد؟

أليس العرب مشاركين في ظهور داعش حين لم يتحركوا لملء الفراغ العسكري وإيقاف نظام بشَّار عند حده مبكرًا، قبل أن تأتي داعش؟

أليست داعش بديلًا اليوم عن الإسلام السياسي المعتدل الذي ينبذ العنف، والذي لم تنفعه سلميته التي ظنها أقوى من الرصاص وأنها قد تحميه من الثورات المضادة؟

أليس الانقلاب العسكري على الديمقراطية في مصر سببًا في فقدان الشباب المسلم الثقة بالسلمية والمدنية وجدوى الانخراط في العملية الديمقراطية، وتعاطف بعضهم الوجداني مع داعش بصفتها الحديد الذي يفل الحديد؟

أليست إيران بدعمها لنظام بشَّار من خلال كلابها من الميليشيات الشيعية العربية ممثلة في حزب الله وميليشيات “أبو الفضل” سببًا رئيسًا في ظهور داعش بارتكابهم المجازر والمذابح ضد أهل السنَّة في سوريا؟

أليس علماء الدين السنَّة مشاركين في جريمة ظهور داعش بصمتهم وسكوتهم وجبنهم عن رفع أصواتهم ضد جرائم بشَّار وميليشيات الشيعة ومطالبة الحكومات السنيّة والضغط عليها للتدخل العسكري لوقف نزيف الدم السني، الأمر الذي سمح لداعش باختطاف الخطاب الديني السني الجهادي بصفتها الوحيدة المدافعة عن المستضعفين السنَّة؟

ألست أنت عزيزي القارىء وأنا، كلنا، مشاركين في ظهور داعش، بتخلينا عن الضغط على قادة الرأي والعلماء والمثقفين والكتَّاب كي يضغطوا بدورهم على الحكومات العربية كي تتدخل لوقف نزيف الدم السني في سوريا؟!

نستطيع أن نشتم داعش بنت الذين ليل نهار، لكن ذلك لن يفيد في منع تمددها؛ فتمددها يتناسب طرديًا مع جبننا وذلنا ولا مبالاتنا.

داعش هي صنيعة القتلة والشياطين الخرس، وليست الوحيدة بنت الذين.

الاعتراف بهذا هو أول خطوات مواجهة داعش.

المصدر : صحيفة التقرير 

زر الذهاب إلى الأعلى