وصل وزير الخارجية الأمريكية جون كيري إلى الدوحة يوم أمس حيث من المنتظر أن يجري اليوم لقاءات للاجتماع مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي في زيارة تهدف إلى تحقيق أمرين أساسيين كما قال، الأول هو “اطلاع قادة دول المجلس على تفاصيل الاتفاق الذي تم مع إيران وطمأنتهم إلى أنّ الاتفاق هو اتفاق جيد”، والأمر الآخر هو “التنسيق معهم حول استراتيجية لصد تحركات إيران غير المشروعة في المنطقة”. هذه هي الأجندة الرئيسية بحسب كيري أثناء لقائه قادة دول مجلس التعاون في الدوحة.
لكن قبل أن نعلّق على مواضيع النقاش في الزيارة، دعونا نرى ماذا قال كيري في جلسة استماع في مجلس الشيوخ الأمريكي بتاريخ 28/7/2015 عن الاتفاق النووي الإيراني. يسأل السيناتور بروكس وزير الخارجية جون كيري: “هل تعتقد أنّ إيران أكبر داعم للإرهاب في العالم؟”، يجيب كيري: “نعم”. يتابع السيناتور سؤاله: “وهل تعتقد أنّ إيران ستستخدم الأسلحة التقليدية التي ستتيح الاتفاقية النووية لها الحصول عليها لقتل أمريكيين…؟”يجيب كيري: “نعم، ربما”!
هذا كان جواب الرجل الذي ينتمي لإدارة تقول إنّها تريد طمأنة حلفائها إلى أنّ الاتفاق النووي جيد في حين تعتقد هي أنّ الإيرانيين لن يوفروا جهداً لاستخدام أسلحتهم لقتلهم، فما بالكم بنا نحن الذين تحتل إيران أراضينا وتفتك بشعوبنا يومياً عبر حرسها الثوري وأذرعها الإرهابية المنتشرة في طول المنطقة وعرضها، وماذا سيحصل عندما ستتدفق عشرات مليارات الدولارات إلى إيران بسبب هذه الاتفاق الجيد؟!
الاتفاق حقيقة سيئ جداً، لكن بغض النظر عن ذلك، نعتقد أنّ على وزير الخارجية كيري أن يستمع الى أربع نقاط أساسية خلال الزيارة، وهي:
أولاً: ما حصلت عليه إيران في الاتفاق هو حق لكل دولة إقليمية بما في ذلك التخصيب المحلي بنفس الدرجات. التأكيد على هذه النقطة مهم جداً حتى لو لم نكن نريد (الآن أو لاحقاً) الحصول على ما حصلت عليه إيران بموجب نص الاتفاقية هذه، وذلك بكل بساطة لأنه لا مبرر لأن نتنازل عن حق بالمجان حتى لو لم نكن نريده أو نسعى إليه.
ثانياً: لقد حصل الموافقون على الاتفاق على ما يريدون وما يؤمّن مصالحهم، وحصل معارضوه “على الأقل سياسياً” على جوائز ترضية مجزية أيضاً. إسرائيل على سبيل المثال ستحصل على مساعدات عسكريّة أمريكية بقيمة 45 مليار دولار خلال السنوات العشر القادمة تتضمن الأسلحة الأكثر تقدماً وتطوراً في العالم بما في ذلك طائرات (في-22 أوسبري) التي رفضت واشنطن أن تبيعها لأي أحد، بالإضافة إلى طائرات (أف-35) وتكنولوجيا الصواريخ ومنظومات الدفاع الصاروخي. كما ستقوم إدارة اوباما بإطلاق سراح الجاسوس الإسرائيلي بولارد والتي رفضت كل الإدارات الأمريكية السابقة المساومة عليه أو إطلاق سراحه رغم عمق العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية.
على العرب أيضاً أن يطالبوا بثمن هذه الصفقة النووية لا أن يدفعوا ثمنها. والثمن الذي يجب أن يطالبوا به هو إخراج الاحتلال الإيراني العسكري والسياسي من البلدان العربية في سوريا والعراق ولبنان واليمن وعدم السماح بتواجده مطلقاً تحت أي ذريعة أو شعار. إنهاء الممطالة الأمريكية في الملف السوري من أجل إخراج الأسد، والضغط على العبادي لتنفيذ وعوده كي لا يتحول إلى مالكي آخر مقدّمة مهمّة لتحقيق هذا المطلب.
ثالثاً: سيتكلم كيري كثيراً عن أولوية محاربة إرهاب “داعش” وسيعبر عن التزام بلاده بمواجهة التمدد الإيراني. المشكلة في أوباما وكيري أنّهم يشبهون الإيرانيين كثيراً، فهم يقولون أمامك شيئاً ثم ينفّذون خلفك شيئاً آخر، لهذا لا بد من أن يسمع بوضوح بأنّ الإرهاب لا يتجزأ وأنّ إرهاب “داعش” هو نتيجة لإرهاب إيران وأذرعها السياسية والعسكرية في المنطقة وأنّه إذا كانت واشنطن جادة ولا تراوغ فلتبدأ من هذه النقطة “محاربة الإرهاب على كافة أشكاله ومن أينما أتى”.
رابعاً: على كيري أن يسمع بأنّ الدول الإقليمية لا تريد مخاصمة أمريكا ولكن إذا استمرت إدارة أوباما على مسارها الحالي حتى بعد اتفاقها مع إيران، فإنّ هذه الدول ستكون مجبرة على التحرك بتنسيق إقليمي بعيداً عن أمريكا وربما بما يتعارض مع مصالحها أيضاً في كثير من الأحيان وإنّ مثل هذه السياسة ستلقى دعماً شعبياً لأن سياسات واشنطن غير شعبية، ولأنّ إعادة تفعيل الوظيفة القديمة لإيران كشرطي أمريكا المناوب في المنطقة لن تنجح، ولأن تحالف واشنطن- طهران ستكون له تداعيات مدمرة على المنطقة وغير مسبوقة على الإطلاق وقد تضطر واشنطن حينها للعودة بقوة إلى المنطقة ولكن بعد خسائر جسيمة للجميع.
المصدر : السورية نت