مقالات

سمير سعيفان – في نقد مسودة مذكرة دي ميستورا

خرج مبعوث الأمم المتحدة إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، عن دوره التقني وسيطاً محايداً لعمليات التفاوض بين المعارضة والنظام، وفقاً لبيان جنيف 2012، بإصداره مسودة مذكرة تنفيذية لبيان جنيف، مقدماً رؤيته الشخصية من خارج البيان، وبما يتعارض معه، ويفرغه من محتواه، ومتبنياً وجهة نظر طرف واحد بشكل كامل، وقد جرى تسريب مسودة الوثيقة لترويج الأفكار التي جاءت فيها، وإشاعة رأي عام حولها. 
 
تقسم الفقرة (3) في الوثيقة المرحلة الانتقالية إلى مرحلتين: التمهيدية والكاملة. تنص التمهيدية على اتفاق مرحلي، قبل الاتفاق على تشكيل الهيئة الانتقالية كاملة الصلاحيات، وخلال هذه المرحلة، يتم دمج قوات المعارضة مع قوات النظام لمحاربة الإرهاب، أي سيبقى في هذه المرحلة كل شيء على حاله الرئيس والأجهزة الأمنية والعسكرية والمليشيات الموالية التي ستدمج مع الجيش أيضا إلخ، وهو شرط يصر عليه النظام وإيران. وعملياً، سيعمل النظام على إطالة هذه المرحلة وإحداث ترتيبات لصالحه، تمكنه من استعادة السيطرة الكاملة، وهذا كله خارج وثيقة جنيف. 
 
وحول مصير بشار الأسد، تنص الفقرة 8 على “الاستثناء المحتمل للسلطات البروتوكولية”، ما يعني بقاء الأسد بسلطات رئيس الجمهورية في الأنظمة البرلمانية، مثل نظام إيطاليا وإسرائيل والعراق. وسيكون من حقه، بعد المرحلة الانتقالية، الترشح ثانية في أية انتخابات، وهو أمر يتعارض مع ما تصر عليه المعارضة، لكونه لن يسهم في وضع حد للصراع وتحقيق الاستقرار.
 
في كامل الوثيقة، بقيت هيئة الحكم الانتقالي غامضة في تشكيلها وقوامها ومهامها، بل تم حصر مهامها في الجانبين، الأمني والعسكري، وتنص الفقرة 10 (ستتمتع، أي الهيئة، بسلطة مطلقة في جميع الشؤون العسكرية والأمنية، وتشرف على المجلس العسكري المشترك)، والأمر الرئيس هو “محاربة الإرهاب”، بينما لا تنص الوثيقة، في الفقرات الأخرى، عن أي دور للهيئة، ما يعني إقصاءها عن إدارة شؤون البلاد في الفترة الانتقالية وفق ما جاء في جنيف. ولا تتحدث الوثيقة عن الحكومة، ومن يدير شؤون البلاد، بمعنى أن الحكومة الحالية ستبقى كما هي.
 
وتنص الفقرة 15 على “تعيين لجنة تضع مسوّدات اقتراحات تتناول برنامج عدالة ومساءلة ومصالحة انتقالية”. ولم ينص على أن الهيئة الانتقالية هي من تشكل اللجنة، ولم تحدد مصير مسودات اقتراحاتها، ومن يتخذ القرار بشأنها، وحتى الـ 120 شخصية التي ستستبعد، بحسب الفقرة 18، فهم مستبعدون في المرحلة الانتقالية فقط، أي يجوز لهم العودة بعد انتهاء المرحلة الانتقالية، وتسلم مناصب حكومية.
 
وتنص الفقرة 13 على تأسيس “المؤتمر الوطني السوري”، وهذا خارج نص اتفاق جنيف، ويعطيه جزءاً كبيراً من مهام هيئة الحكم الانتقالي، ويدير المجلس “حواراً وطنياً”. وتنص الفقرة 23 “لا بد من تطبيق نتائج الحوار الوطني وإجراءات المراجعة الدستورية”، أي إخراج الدستور من مهام هيئة الحكم الانتقالي، ووضعها في مؤتمر الحوار الوطني. ثم لم ينص على إصدار دستور جديد، ما يعني أن تعديلات يمكن أن تجري على دستور 2012 . أي أن دي ميستورا منح هذا الدستور الشرعية، وهو الذي وُضع على مقاس النظام في ظروف الحرب، وهذا كاف لاعتباره غير شرعي.
 
تنص الفقرة 16 على تنظيم المجالس المحلية في المناطق التي يغيب فيها “الحكم المحلي الفاعل”، أي مناطق سيطرة المعارضة، وسيدخل فيها ممثلون للنظام، بينما لم يتحدث عن مناطق سيطرة النظام، أي أنها ستبقى كما هي بيد النظام كاملة، ولم ينص على أن هيئة الحكم الانتقالي هي من يشكل هذه المجالس، ويشرف عليها، كما لم يذكر شيئاً عن المحافظ الذي يسميه رئيس الجمهورية حسب التشريعات النافذة الآن، أي سيعيد رئيس الجمهورية تسمية المحافظين في مناطق سيطرة المعارضة.
 
وفي الفقرة 17، لم ينص على أن الحفاظ على المؤسسات الرسمية والجيش والأمن والقضاء وإصلاحها من مهام هيئة الحكم الانتقالي، ولا نص في الفقرة 19 على أن الهيئة هي من يشكل لجنة متابعة شؤون المعتقلين والمهجرين، ولمن تتبع ومن يراقب عملها، وهو أمر في غاية الأهمية، بسبب التهجير والتلاعب لإحلال مجموعات سكانية محل أخرى.
 
تحت عنوان “مجموعات العمل” الأربع المقترحة للحوار بين المعارضة والنظام كلام غامض، ويحدد دي ميستورا من يمثل المعارضة فيها، وسيكون غالبيتهم أشخاص لا علاقة لهم بالمعارضة، وسيقدم مخرجات هذه اللجان لمجلس الأمن على أنها “إرادة السوريين”. وهذا تمييع آخر، وخروج عن نص اتفاق جنيف.
 
في المجمل، ربط دي ميستورا التنفيذ الكامل لبيان جنيف بعناصر غير واضحة، لا علاقة لها بنصه، وبدت رغبته وكأنها القضاء على هيئة الحكم الانتقالي وبيان جنيف، بالضربة القاضية، ووضع نفسه قاضياً يقضي بمصير الشعب السوري، وهو بذلك يخرج عن المهمة الموكلة إليه، ولا يسهم بوضع حد للكارثة السورية، لأن الحل الذي يقترحه غير قابل للتطبيق.
 
المصدر : العربي الجديد 
زر الذهاب إلى الأعلى