قرر الرئيس الامريكي باراك اوباما أمس تجاوز التقاليد البروتوكولية المتبعة، وخرج بنفسه ليستقبل الملك سلمان بن عبد العزيز عند ابواب البيت الأبيض، في اشارة واضحة الى الاهمية الاستثنائية التي توليها ادارته للزيارة التي تعد الاولى من نوعها منذ وراثة العاهل السعودي للعرش في شهر كانون الثاني/ يناير الماضي.
وكان الملك اعتذر عن عدم حضور القمة الخليجية الامريكية التي انعقدت في كامب ديفيد في شهر ايار/ مايو الماضي، وكان السبب الرسمي الذي أعلن حينئذ هو انه «كان مشغولا بالإشراف على تقديم المساعدات الانسانية للشعب اليمني». اما الحقيقة فهي ان الملك كان مستاء من التوصل الى الاتفاق النووي بين إيران والقوى الغربية.
وحسب تقارير اخبارية فإن وفدا كبيرا يرافق الملك سلمان في زيارته ما استدعى حجز فندق «فور سيزونس» شديد الفخامة بالكامل لسكنهم، بالإضافة الى فرش مساحات واسعة بالسجاد الاحمر احتفاء، ما يدل على ان الاهتمام بالزيارة ليس من جانب واحد.
وتتزامن زيارة العاهل السعودي مع تحقيق اوباما انتصارا سياسيا مهما اذ نجح في تأمين تأييد كاف للاتفاق النووي في مجلس الشيوخ، وهكذا أصبح الاتفاق الذي لقي تأييدا فاترا من السعودية «واقعا ينبغي التعامل معه»، اذ لم يعد هناك مجال لإثناء اوباما عن اعادة النظر او تغيير حرف واحد فيه.
وعلى الرغم من كل ما أريق من حبر حول «التوتر» في العلاقات، ومعنى الرغبة السعودية القوية في تعزيز التعاون الشامل مع روسيا، إلا ان الحقيقة تبقى ان ثمة علاقة استراتيجية قديمة تربط بين واشنطن والرياض. وربما لا يتعلق بوضع «أسس استراتيجية للعلاقة» كما نقلت تقارير عربية عن مصادر امريكية، ولكن بتصحيح تلك الأسس بغرض تقويتها، بما يتناسب مع التحديات الهائلة والمعطيات الجديدة في الاقليم، سواء من جهة العلاقة مع «إيران النووية»، او تصاعد التهديد الارهابي داخل السعودية وبعض الدول الخليجية.
ومن المهم ملاحظة ان هذه القمة السعودية الامريكية هي الأولى من نوعها ايضا بعد أن أعلن اوباما في مناسبتين منفصلتين ان «التهديد الحقيقي الذي تواجهه السعودية ودول الخليج انما هو تهديد داخلي».
لكن اوباما لم يتوان عن ابتزاز القلق الخليجي من إيران عندما اعلن في قمة كامب ديفيد ان واشنطن تنوي تزويد تلك الدول بترسانة ضخمة وحديثة من الاسلحة الدفاعية، بينها حائط من الصواريخ البالستية لأول مرة، وفرقاطتان حربيتان بحريتان تقوم شركة لوكهيد مارتن ببنائهما حاليا ويزيد ثمنهما عن المليار دولار.
ومن الأسئلة الاهم في هذا اللقاء ان كان اوباما سيقدم للملك حقا تطمينات امنية واقليمية أكثر من تلك التي حملها بالفعل وزير خارجيته جون كيري الى الرياض وباقي العواصم الخليجية، وأهمها بيع المزيد من الاسلحة، رغم أن هذا يعد مكافأة لواشنطن أكثر منه للحلفاء الخليجيين في رأي البعض؟
ومن حق المراقب العربي ان يخشى ان المبالغة الامريكية في الاحتفاء بالعاهل السعودي قد تكون وسيلة دبلوماسية للإجابة بالنفي، ثم عمل الشيء الوحيد الذي تجيده واشنطن عندما يتعلق الأمر بذلك الجزء من العالم الا وهو بيع مزيد من الاسلحة. صحيح ان واشنطن تحتاج بشدة الى استمرار تدفق النفط السعودي بحرية الى الاسواق العالمية رغم الانخفاض الكبير في الاسعار لمساعدة الاقتصاد الامريكي على التعافي، الا ان هذا الهدف نفسه يمنع اوباما من التصعيد مع ايران. ومع فشل التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في هزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية» في العراق او سوريا، قد لا يكون بمقدورها ان تقوم بعمل افضل في مواجهته في السعودية او الكويت.
وبالطبع لن تقتصر مشاعر المرارة السعودية في هذا اللقاء على الاتفاق النووي وتبعاته المحتملة، بل ستمتد الى الوضع في سوريا حيث تعتبر الرياض ان الفشل المريع للإدارة الامريكية في مواجهة نظام بشار الأسد ساهم في بقائه في السلطة حتى الآن. ومن غير الوارد هنا ايضا ان يحصل جديد، خاصة ان أوباما، وهو على اعتاب عامه الاخير في البيت الأبيض، ليس سوى «بطة عرجاء»، ناهيك عن انه، وباعترافه، لا يملك استراتيجية متماسكة للتعامل مع الوضع هناك.
وسيكون اليمن حاضرا بلا شك مع قلق امريكي حقيقي بسبب الوضع الانساني الكارثي بعد اكثر من خمسة شهور من القصف دون بارقة امل على حل سياسي.
فهل لدى اوباما ما يقدمه حقا سواء للسعودية او العرب؟
المصدر : القدس العربي