بعد سقوط الإنسانية في أوروبا والعالم بعد الحرب العالمية الأولى والثانية، أراد قادة الغرب غسل عارهم وتلميع صورتهم والتي أحرقتها الخسائر البشرية التي قدرت بأكثر من 61 مليون قتيل بين مدني وعسكري، و30 مليون جريح، وأرقام أخرى للمفقودين، بعد هذه الحرب الهمجية والكارثة الإنسانية والتي فضحت دعوى الحضارة الغربية وزعمها الانتصار لقيم الديمقراطية والمساواة والحرية، خرج الغرب بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي اعتمدته الأمم المتحدة في 10 دجنبر (كانون الأول/ ديسمبر) 1948، وهذا الإعلان ألزم الدول بالحد الأدنى من حقوق الإنسان التي يجب احترامها وتعزيزها.
وطبعا صادقت غالب الدول الإسلامية على هذا الإعلان ظنا منها أن مصطلح الإنسان يشملها، لكن كثيرًا من الأحداث والحروب أوضحت أن الإنسان وحقوقه تشمل كل إنسان في العالم إلا المسلم، للأسف ظهر ذلك في البوسنة والهرسك وحصار العراق واحتلاله وبورما وأفغانستان وافريقيا الوسطى والصومال واليمن وسوريا…فكل دم غالي ويهتزّ العالم له، إلا الدم المسلم فهو رخيص ولو جرى أنهرا وبحرا.
أعجب لهذا النفاق العالمي المفضوح، يبكون ويحزنون لصورة إيلان الكردي الذي حفظ البحر جثثه، ويبلعون ألسنتهم عن أطفال دوما الأشلاء وأطفال مخيم اليرموك الهياكل الهضمية، وأطفال المخيمات والذين جمدهم البرد القارس وحولها لمنحوتات بشرية.
ما إيلان الكردي الدمشقي إلا طفل من أطفال سوريا الذين يبادون أمام العالم بالبراميل المتفجرة والصواريخ الروسية والأسلحة والتمويل الإيراني والحصار التي توطئ العالم معه.
في النصف الأول من هذا العام فقط قتل أكثر من3000 طفل سوري إما غرقا أو جوعا وأكثرهم بالبراميل المتفجرة، فالطفل إيلان وأخوه غالب وجد أبوهم عبد الله جثثهم فقبلهم ثم دفنهم، أما أطفال دوما فهم أشلاء لا ملامح لهم، أهاليهم يجمعونها عسى يظفروا بنصف جثة يقبلوها ويدفنوها ويعلّمون قبرها.
إن رعاة الديمقراطية وحماة حقوق الإنسان يتفرجون على الواقع السوري ويصورنه لشعوبهم على أنه صراع بين متطرفي السنة (داعش) ومتطرفي الشيعة (حزب الله وإيران ومليشيا بشار)، والحل أن يتحالف الثوار مع الإرهاب الكبير (نظام بشار) ليقاتل الإرهاب الصغير(داعش)، أريدَ من السوريين التحالف مع من قتل نصف مليون سوري ضد من قتل 11 ألف، قالها بوتين صراحة: “إن السوريين يهربون من بلادهم بسبب إرهاب داعش وليس بسبب نظام بشار”.
يزيفون حقائق الثورة السورية، فالسلاح الكيماوي عندهم خط أحمر ولكن البراميل المتفجرة مسموح بها، لكن انقلب السحر على الساحر، حينما وصلت الأعداد الهائلة للاجئين السوريين لأوروبا، حيث ظنت أن الموت لن يصل إليها، فكانت حادثة الشاحنة وغيرها، فوقع الانقسام بين أوروبا إلى شرق يلوم غربها على تهاونه وعدم تحمل مسؤوليته، وغرب يلوم اللاجئين على اختيارهم دون العالم، ولما رأى رئيس وزراء المجر “فيكتور أوربان” أن لومه وعتابه لم يحرك أوروبا، استعمل المصطلح الصليبي الذي يرغم أوروبا على التحرك فقال: “إن اللاجئين المسلمين يهددون الهوية المسيحية لأوروبا”، لعل أوربان يمتلك الجرأة أكثر من ميركل وكاميرون وهولاند وأوباما وغيرهم، ليست مصاريف اللاجئين وتكاليف إقامتهم هي التي تجعل أوروبا تحجم عن مساعدتهم ولكن دين هؤلاء اللاجئين هو المانع من استقبالهم وفتح الحدود لهم.
لقد عرى فخامة الرئيس أرودغان ادعاءات العالم الغربي اتجاه الثورة السورية واللاجئين حينما قال “الغرب حول البحر المتوسط إلى مقبرة للاجئين.. والدول الأوروبية شريكة في الجريمة التي تقع كلما مات لاجئ سوري” والمقصود واضح وهو رفض أمريكا وأتباعها إقامة منطقة آمنة محظورة على الطيران في شمال سوريا، فكانت النتيجة من لم يميت من السوريين بالبراميل المتفجرة وأسلحة المليشيات الأسدية والشيعية مات غرقا بالبحر المتوسط.
لتركيا الحق في اتهام الغرب بالتقصير في حل القضية السورية طيلة خمس سنوات، لأنها أصرت على إقامة منطقة آمنة حماية للشعب السوري منذ الشهور الأولى لبداية ثورة الشام، لكن الرفض كان الجواب الدائم لتركيا ومقترحها الإنساني والواقعي، ولقد جاءت عدة فرص لوضع حد لهذه الفضيحة الإنسانية لكن أمريكا وحلفائها الأوروبيين أصروا على قتال داعش أولا ثم بعدها النظر في جرائم النظام السوري، مع رفض دعم المعارضة السورية والثوار بالأسلحة المضادة لتطيران وحينما يقتربون من إسقاط النظام أو القضاء على داعش ، يوقفون الدعم أو يضغطون لوقفه إطالة للحرب ولمزيد من القتلى والتهجير.
هذا الحال الغرب راعي الحقوق والديمقراطية، أم مقاله فيلخصه تبجح ميركل بقولها: “غدا سنخبر أطفالنا أن اللاجئين السوريين هربوا من بلادهم إلى دول أوروبا وخصوصا ألمانيا، وكانت مكة أقرب إليهم منا”.
مقولة ميركل حق أريد به باطل، فمن أخرج اللاجئين السوريين من بلادهم وجعلهم أكبر شعب لاجئ في العالم، بعدما كان أكثر شعب يستقبل اللاجئين، الجواب هو همجية نظام بشار وتخاذل العالم لحماية الإنسان السوري من حرب إبادة وتطهير، تدعمها دول إقليمية ودولية من أجل تحقيق التوازن في العلاقات بينها وبين الغرب الإمبريالي المتغطرس.
لعل ألمانيا نسيت بعض العشرات من السوريين اللاجئين الذين استقبلتهم في بدايات الثورة ما دينهم، وكم كان عددهم وما هي كفاءتهم، وكم استقبلت في وقت نفسه تركيا من السوريين وكم أنفقت عليهم، فتركيا لم تبحث في دين أو طائفة أو عرق اللاجئين السوريين أو تبحث عن نوع الذي تستغله وتوظف كفاءته لمصلحتها، لقد فضح فخامة الرئيس أردوغان ألمانيا حينما قال: “رفضت اقتراح وزير ألماني باقتناء الكفاءات من اللاجئين ونقلهم إلى ألمانيا”، هذا هو الفرق بين ألمانيا التي تدعي بأن القيم المسيحية تحتم عليها حماية من يواجه الخطر في أي مكان، وبين تركيا الأنصار التي اعتبرت السوريين هم المهاجرين الواجب اقتسام كل شيء معهم كما قال فخامة الرئيس، صحيح مكة لم تستقبل السوريين بالأعداد المرجوة، لكن مكة وقفت مع السوريين بما تستطيع من الدعم المالي والسياسي، والذي لا شك في أنه دون المرجو.
ولتعلم ميركل بأن الشعب السوري صانع الحضارات ومبدعها منذ الأزل يحب أرضه ويكره هجرانها، أوليست الشام خير بقاع الأرض بعد أرض الحرمين، ولكن أخرجوا منها كما أخرج سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم من مكة.
الأمر واضح ومفهوم حتى عند الأطفال السوريين اللاجئين حينما سألت وسائل الإعلام الغربية أحدهم لماذا تغامر بحياتك لأجل الوصول إلى أوروبا فأجب جواب نبهاء وعقلاء الشام : “أوقفوا الحرب في سوريا، ولن نحتاج إلى اللجوء إلى أوروبا”.
وأخيرًا إن شجرة اللاجئين السوريين تخفي غابة من جرائم النظام السوري الهمجي، أعطاه العالم المتحضر والإنساني – زعما – الضوء الأخضر: “اقتل يا بشار بالبراميل المتفجرة وما بقي حيا أرسله إلى مقبرة البحر المتوسط”، لهذا كان أهل الشام لاجئين من المــــوت إلى المـــوت.
المصدر : ترك برس