مقالات

خليل العناني – الفشل الأميركي في سورية

قبل أيام، سلّم أحد القادة العسكريين الذين دربتهم الولايات المتحدة، في الشهور الماضية، أسلحته وذخائره لجبهة النصرة في مقابل المرور في منطقة تسيطر عليها، كما نشرت جريدة نيويورك تايمز الأميركية. كان الخبر بمثابة صدمة للمسؤولين والمراقبين الأميركيين، الذين أنفقوا ملايين الدولارات على تدريب المعارضة السورية وتجهيزها، من أجل محاربة تنظيم الدولة.

في الوقت نفسه، وجه مسؤولون سابقون في الإدارة الأميركية انتقادات عنيفة لسياسة الرئيس، باراك أوباما، في سورية، آخرهم الجنرال ديفيد بترايوس، الرئيس الأسبق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية الذي أدلى بشهادته أمام مجلس الشيوخ قبل أيام، وأشار فيها إلى تخبط الإدارة الأميركية في التعاطي مع الأزمة السورية.

وقبل أسابيع، تحدثت تقارير عن تزوير مسؤولين أميركيين في وزارة الدفاع تقارير عن نتائج الحرب على “داعش”، فأعطت تقديرات مخالفة للواقع، ما حدا بالبنتاغون إلى تشكيل لجنة تحقيق، لمعرفة مدى صحة هذه التقارير، وهو أمر سيكون كارثة على إدارة أوباما، إذا ثبتت صحته. والواضح أن الحرب على “داعش” لم تحقق النتائج المرجوة، في العراق وسورية، خصوصاً مع تراجع زخم الحملة العسكرية، التي تقودها الولايات المتحدة وحلفاؤها فى المنطقة وخارجها.

وهو ما يتناغم مع فشل برنامج تدريب المعارضة السورية الذي لم يحقق أية نتائج فعلية على الأرض. ويبدو أن الولايات المتحدة سوف تعيد النظر في هذا البرنامج، بعد انتقادات كثيرة وُجهت له، ولعل الضربة القاضية له جاءت بعد شهادة قائد القوات المركزية الأميركية أمام لجنة التسليح في الكونغرس، قبل أيام، وقال فيها إن عدد من يقاتلون تنظيم الدولة ممن تم تدريبهم أربعة أشخاص فقط. وكان الكونغرس قد خصص حوالى نصف مليار دولار لتدريب نحو خمسة آلاف سوري لمحاربة “داعش”.

التعاطي الأميركي مع الأزمة السورية فاشل منذ البداية. ليس فقط بسبب عدم التدخل السريع لمساندة الثورة السورية في بداياتها، ووضع حد للمجزرة التي تقوم بها قوات الأسد ضد المدنيين، وإنما أيضاً لعدم التجاوب البناء مع مقترحات عديدة تم طرحها، كان أهمها فرض منطقة حظر طيران على الحدود مع تركيا، من أجل ضمان عدم اتساع نطاق المواجهات، وحماية آلاف السوريين من القتل والتهجير. وازداد الأمر سوءاً، بعد دخول أطراف دولية وإقليمية إلى حلبة الصراع، معظمها على خلاف مع الولايات المتحدة، مثل روسيا وإيران.

الآن، بعدما ثبت أن لروسيا قاعدة عسكرية وأسلحة وجنوداً على الأرض السورية، باتت المسألة أكثر تعقيداً. وسوف تتحول سورية إلى حلبة صراع جديد بين موسكو وواشنطن. يأتي ذلك في وقتٍ يتكاثر فيه الحديث عن ضرورة البحث عن حل سياسي للأزمة السورية، يكون الأسد جزءاً منه. ويبدو أنه لم تعد توجد ممانعة غربية فى إشراك الأسد ضمن أية أطروحات مستقبلية لحل الأزمة.
كان الفشل الأميركي الذريع في معالجة الأزمة السورية سبباً رئيسياً في تمدد “داعش” وجبهة

النصرة وسيطرتهما على أغلب الأراضي، التي تم تحريرها من قوات النظام. وعلى الرغم من الحملة العسكرية التي شنتها الولايات المتحدة، بالاشتراك مع دول أخرى، ضده، والتي كلفت مليارات الدولارات، لا يزال التنظيم في حالة ثبات وتمدد. وعلى الرغم من دخول تركيا على خط المواجهة ضد التنظيم، إلا أنها لا تزال رهينة حساباتها المعقدة مع الأكراد، والتي تجعلها تتحسب لأي توغل عسكري حقيقي في سورية.

وفي ظل الحديث عن بقاء الأسد في السلطة، ضمن ترتيبات الحل السياسي، بفرض صدقية التقارير المتواترة عنه، يبدو أن الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين سوف يرضخون، بشكل أو بآخر، لمطالب محور (الأسد- بوتين- طهران)، على حساب بقية الأطراف المتداخلة في الصراع، مما يعني ضياع دماء آلاف السوريين وأرواحهم هباء.

الآن، لا تمتلك الولايات المتحدة ترف البحث عن حلول منفردة للأزمة في سورية. وسوف تكون مجبرة على البحث عن تفاهمات وصفقات وترتيبات مع الدب الروسي، الذي لم يعد مجرد حليف للأسد، وإنما صاحب مصلحة أساسية في الصراع. وهنا، قد تواجه واشنطن معضلة تحقيق التوازن بين مصالح روسيا ومصالح حلفائها الإقليميين، الذين لا يرغبون في رؤية الأسد في أية حلول، يتم التوصل إليها لإنهاء الأزمة. 

المصدر : العربي الجديد 

 

زر الذهاب إلى الأعلى