مقالات

بسام البدارين – الغزو الروسي و”كذبة” تحجيم إسرائيل

يحلو لي أحيانا أن أراقب بأسف تلك الاحتفالات المبالغ فيها بالوجود الروسي العسكري وتداعياته الاستراتيجية على المنطقة.

الأسف لا علاقة له حصريا بالتعقيدات التي سيضيفها وجود الروس عسكريا على مشهد معقد أصلا في سوريا.

ولا باقتراب وضع حد لشلال الدم الهادر الذي يطال الشعب السوري وينال من كرامة الأمة والإنسان مرة على يد النظام وأذرعه الأمنية والعسكرية تحت ستار الممانعة والمؤامرة، ومرة بأيدي الموتورين المتشددين الذين يريدون إقامة سلطان الله على الأرض بسحق وحرق عباده وقطع رؤوسهم.

ومرة ثالثة بالمجتمع الدولي الخجول الذي تتحكم به مصالح القوى النافذة وليس معايير الإنسان وحقه في الحياة. كل تلك أسباب بطبيعة الحال تدعو للأسف.

لكن الأسف الأكبر يولد من رحم تلك النظرية البائسة التي تفترض بأن الغزو العسكري الروسي لسوريا سيضبط إيقاع إسرائيل تحديدا ويعيد التوازن إلى منطقة فقدته وينعش آمال التسوية السلمية.

سمعت سياسيين ومسؤولين ونشطاء تحديدا في جبهات اليسار يتحدثون بهذه اللغة وكأن الرئيس بوتين أو أبو علي بوتين كما أسماه الشاعر الأردني عارف البطوش يتهيأ لتحرير المسجد الأقصى ولإنصاف الشعب الفلسطيني ولإقامة دولة فلسطين التي تآمر العرب قبل العالم عليها.

مرة أخرى مشاعر سطحية وساذجة تحاول الإيحاء بأن القضايا العربية الأساسية في المنطقة ستستفيد بمجرد عبور الجيش الأحمر الروسي في الأرجاء.

السذاجة نفسها تفترض بان بوتين وحده القادر اليوم على إعادة ترسيم هذيان المجتمع الإسرائيلي وإنصاف الشعب الفلسطيني والمساهمة في تقديم ولو بقايا للكرامة العربية المهدورة.

سمعت تحليلات من كل صنف في هذا الاتجاه تحاول إعادتنا إلى سجل نظيف مفترض لروسيا في دعم الشعب الفلسطيني والى تبعية إسرائيل للولايات المتحدة الأمريكية والى دور موسكو في تعليم وتثقيف الفلسطينيين عندما حاربهم العالم. 

الهدف من هذه التأويلات التي أعتقد أنها لم تخطر في بال الكرملين أصلا هو التهليل للبسطار الروسي والإيحاء بأن إسرائيل قلقة جدا وبأن الوجود العسكري في سوريا سيعيد الأمور إلى نصابها خصوصا في القضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية.

يسقط أصحاب هذا الاجتهاد قصدا أو جهلا اعتبارات المصالح وأولويات نقل الغاز ومعركة الطاقة عند القيادة الروسية.

ويسقط هؤلاء من حساباتهم أن أبو علي بوتين التقى نتنياهو قبل الجميع واستأذنه. وأن موسكو وقّعت اتفاقية لتنسيق العمليات العسكرية لإسرائيل.

الأهم يسقط المجدفون في هذا التيار قناعة الجميع بأن الوجود العسكري الروسي لم يكن بإمكانه الولادة في المنطقة لولا الغطاء الأمريكي، وهو بالنتيجة غطاء إسرائيلي ويخدم وظيفة إسرائيل التاريخية التي نعرفها جميعا.

أثق بنظرية العالم والبروفيسور الدكتور أمين محمود حول نجاح إسرائيل أو الذهنية الصهيونية في تحويل الجميع في المنطقة إلى قرود وسعادين يرقصون ويصفقون أو يعترضون بحركات بهلوانية على مسارات غير مؤثرة وبصورة عشوائية تكرس موازين القوى وحقائق الضعف العربي.

وأرى أن مفكرا سياسيا من وزن عدنان أبو عودة خبير الإسرائيليات يعرف ما الذي يتحدث عنه عندما يؤشر على عدم وجود خبرات حقيقية في العقلية الصهيونية وترتيباتها وبالتالي من الصعب توقع تحجيم إسرائيل عبر الدبابة الروسية.

يلفت الدكتور محمود النظر إلى سقم وبؤس السيناريو الذي يفترض بأن روسيا كان بإمكانها التواجد عسكريا في خاصرة المنطقة العربية بدون ترتيب أمريكي أو بان إسرائيل يمكنها أن تشعر فعلا بالقلق لأن موازين واتجاهات البوصلة الإقليمية اختلفت لغير صالحها بعد البسطار الروسي.

لا يمكن قراءة مثل هذه السيناريوهات والفرضيات إلا بعين متأسفة وحزينة فالكثير من المؤشرات تفيد بان الإدارة الأمريكية تترك المنطقة عسكريا وليس استراتيجيا ولأسباب تخصها وبأنها منحت أبو علي بوتين عطاء التلزيم لمقاولة تمديد الصراع العسكري في سوريا.

وأثق بالاجتهاد الذي يفترض بأن إسرائيل شريكة استراتيجية لبوتين في تفصيلات المشهد وبأن استحكام القوى العسكرية الروسية في بلد مثل سوريا سينتهي بالضرورة بتدشين مفاوضات السلام والتسوية على الجبهة السورية الإسرائيلية تحديدا ضمن نطاق المقايضات بين موسكو وتل أبيب وواشنطن.

عملية السلام هذه عندما تصل لسفوح جبال هضبة السلام تحت الإيقاع الروسي لن تكون تلك التي كان يتحدث عنها الراحل حافظ الأسد.

ولن تكون تلك التي تنطلق من نظريات الممانعة والمقاومة بل ستكون على الأرجح عملية سياسية تتقاسم فيها إسرائيل وموسكو النفوذ ووفقا للبوصلة الإسرائيلية تحديدا وعلى حساب الشعبين الفلسطيني والأردني وبطريقة تنتهي بتسوية القضية الفلسطينية وفقا للمعيار الصهيوني أي بدون دولة أو حق تقرير المصير أو حتى عودة أو تعويض.

على هذا الأساس ثمة ما يوحي بان الهدف النهائي بعد تقاسم النفوذ سيدفع ثمنه بصورة تاريخية الشعب الفلسطيني اكثر ودون غيره بعدما دفع الشعب السوري ثمنا بالغا من الدم والانهيار حفاظا على مصالح طغمة حاكمة في دمشق نهبت البلاد وسرقت العباد.

لذلك لا أرى سببا لاحتفال اليسار العربي بالغزو الروسي العسكري لسوريا فقد رأينا نتنياهو وهو يصافح بوتين جالسا.

ولا أرى سببا لاحتفال معسكر الاعتدال في النظام العربي الرسمي بكذبة إعادة التوازن لعملية السلام والتخفيف من السلبية الأمريكية عبر توفير فرصة الضغط على إسرائيل بواسطة الثقل الروسي فالأمريكيون لم يعودوا طرفا يحمل مصداقية في إدارة عملية السلام والفرصة متاحة اليوم للجلوس مجددا ولعدة سنوات في كرسي وهم السلام لكن تحت الإيقاع الروسي هذه المرة ومن بوابة المشهد السوري.

المصدر : القدس العربي 

زر الذهاب إلى الأعلى