نظرا لجسامة المُصاب السوري وطنا ومواطنا، والتقزيم المتصاعد للصوت السوري في القضية السورية، آثرنا الإبتعاد عن الإعلام قدر المستطاع والسعي للعمل بصمت مع مجموعة من الوطنيين الديمقراطيين قولا وعملا المخلصين لمخرجات “مؤتمر المعارضة السورية من أجل حل سياسي” (المعروف اختصارا بمؤتمر القاهرة) من أجل وطننا الجريح. وقد وجدنا في اجتماع فيينا الأول ماكينة تفعيل لهذا الحل السياسي فعملنا المستطاع لتكون نتائج مؤتمر فيينا 2 أكثر انسجاما مع “بيان جنيف” وتواصلنا مع الدول الصديقة من أجل ضمان هذا التجسير بين جنيف وفيينا. يمكننا القول أن مؤتمر فيينا 2 كان أكثر توازنا وقربا من الأول، واعتبرنا نتائج مؤتمر فيينا الثاني “بيت على العظم”، يمكن كسوته بالرخام ويمكن وضع نوافذ مكسرة وباب مخلوع بحيث يصعب السكن فيه.
كلّف مؤتمر فيينا المملكة العربية السعودية بعقد مؤتمر للمعارضة السورية في الرياض لاختيار الوفد المفاوض للمعارضة السورية. وهي مهمة صعبة جدا لأن دور المنظّم الحكم يحتاج الكثير من الحكمة والموضوعية والقدرة على أخذ البعد اللازم من جملة عوامل التأثير والتأثر. فالمملكة طرف في الصراع، ولها فيه من يمثلها، لها الصديق ولها الحليف ومن لم تتواصل معه قبلا. ولها موقف معلن لم يلغ الحل العسكري من المعادلة السورية.
في حديثنا مع الإخوة من المملكة، قلنا بكل صدق، نحن في أمس الحرص على نجاح المؤتمر. لأن هذا المؤتمر يأتي في حلقة متكاملة للوصول إلى طاولة المفاوضات التي تنتظرها الأغلبية الساحقة من أبناء وطننا. ولإنجاح أي مؤتمر، هناك عوامل نجاح وعوامل فشل. وسمعنا كلاما مطمئنا وإدراكا عميقا لعوامل الفشل وضرورة تجنبها.
سألني العشرات عن هذه العوامل التي أتحدث عنها، ولعلها فرصة لذكر وجهة نظرنا في بعض عوامل النجاح:
1- إدراك طبيعة ومهمة هذا المؤتمر. باعتباره حدث مفصلي ضمن استمرارية دولية بدأت في حزيران/يونيو 2012 في جنيف، واستعادت أنفاسها في فيينا الأول ثم الثاني ومن المفترض أن تستكمل في نيويورك في النصف الثاني من ديسمبر 2015. فهو ليس “مؤتمر الطائف”، ولا “الدوحة2” أو اسطنبول، لأن من يحضر لا يتعدى تفويضه نصف قاعة المفاوضات وسيقابل النصف الثاني في جنيف. ومن يحضر موافق أساسا من حيث المبدأ على “بيان جنيف” وليس أصحاب مشروع إمارة إسلامية أو دولة دينية.
2- ليست مهمة المؤتمر عرقلة الحراك الدولي من أجل سورية أو خلق بدائل عنه. فهو ابن هذا الحراك، وإن لم تمتلك الدول الإقليمية المشاركة في فيينا الجرأة على الرد على السيد جون كيري عندما تحدث عن دولة علمانية، فليست مهمة المؤتمر دعوة أعداء مشروع الدولة المدنية الديمقراطية في سورية للرد عليه.
3- ليست مهمة المشاركين تسجيل نقاط لهذا الطرف أو ذاك من أطراف الصراع الإقليمية والدولية على سورية، وإنما تشكيل وفد كفاءات وقدرات قادر على التفاوض بمهارة وحزم دفاعا عن مطالب الشعب السوري.
4- لا يمكن أن تكون الوجوه المشاركة في المؤتمر مقنعة للمجتمع السوري إن لم تكن تمثيلية ووازنة. من هنا ضرورة أن يضمن المؤتمر صفة التجميع النوعي الذي يعكس هذه الصورة. وأي إبعاد أو استئصال مسبق لشخصية أو طرف فاعل وتمثيلي مؤيد للحل السياسي وفق بيان جنيف يعتبر إسفين فشلٍ للمؤتمر نفسه.
أين نحن من هذا؟
1- الفقرة المتعلقة بالوفد التمثيلي والوازن غير متحققة في ما عرفنا من قائمة المدعوين. وثمة قامات وطنية لم تتم دعوتها للمؤتمر رغم مطالبتنا بذلك.
2- تم دعوة أطراف أعلنت صراحة رفض جنيف وفيينا وجرمتنا لمجرد قولنا بأن الحل العسكري وهمّ عند أصحابه في أي معسكر كانوا. وثمة بصمات تركية واضحة بين المدعوين ووجود مبالغ به للعناصر التي قبلت منطق الوصاية على قرارها.
3- تأكد لنا دعوة ممثلي فصيل عسكري هجين من السوريين والأجانب يحمل إيديولوجية “القاعدة” ويشاركها في العمليات العسكرية، ومجلس الأمن يطالب بخروج المقاتلين غير السوريين من البلاد، ناهيكم عن قوائم الإرهاب وقضية وجود قيادة مشتركة مع تنظيمات مصنفة إرهابية.
4- تم استبعاد قوات سورية الديمقراطية وحزب الاتحاد الديمقراطي بدعوى وجود فيتو أمريكي على حضورهم (الأمريكي نفسه يرسل للقوات الخبراء والسلاح!)
5- تم إلغاء يومي 8 و9 حزيران/يونيو من التاريخ والجغرافيا وكأن مؤتمر القاهرة لم يعقد. فهل جريمة هذا المؤتمر أنه كان سوري الهوى، سوري التنظيم وسوري القرار!
6- تم دعوة فصائل لا يتجاوز أعضاؤها أصابع اليد الواحدة وتغييب فصائل أساسية مناضلة داخل الوطن.
7- يجري الحديث عن ورقة معدة مسبقا لخدمة موقف مثلث إقليمي، في تكرار بائس لما جرى في منتدى موسكو الأول (مبادئ موسكو) وكان من أسباب فشل المنتدى.
8- أصدر أكثر من فصيل مشارك تعميما داخليا يقول بصراحة أنه ذاهب من أجل بديل موحد ومتماسك للمعارضة على أسس مختلفة وشريك حقيقي لأصدقاء الشعب السوري في هذه المرحلة.
كل هذه العوامل لا تبشر بالخير. وإن ظن البعض أنها تخدم قضية المعارضة فهو ينسى أن قائمة مشاركين انفجارية وضعيفة تحّول المؤتمر إلى حقل ألغام، وتعطي بالضرورة وفدا مفاوضا هزيلا. وينسى أيضا أن الجماعة الأممية ستأخذ بنتائج المؤتمر بقدر توفر مواصفات نجاحه. فعندما يكون تمثيليا ووازنا ستأخذ باقتراحاته وقائمته المقترحة. وإن حقق بعض شروط النجاح فستسمح لنفسها بالتعديل والتدوير. أما إن فشل فستنتقل إلى الخطة باء، أي أن تقوم بالمهمة عوضا عن مؤتمر الرياض ونتائجه.
إن حرصنا على نجاح المؤتمر هو الذي دعانا للخروج من نقاش الأروقة والسكايب إلى العلن.
عند المشايخ الاستخارة، وعند الديمقراطيين الاستشارة، وعليه، أنتظر رأي تيار قمح وأصدقائه لأكون رهنا به.
من أجل سورية ديمقراطية مدنية لكل مواطنيها ومكوناتها.
وطن اف ام