مقالات

سمير سعيفان – المعارضة السورية وسباق الحواجز

تدخل المعارضة السورية، اليوم، في سباق يشبه سباق الحواجز. المجموعة الأولى منها هي حواجز مؤتمر الرياض الذي يعقد اليوم وغداً، 9 و10 ديسمبر/كانون أول، وأمامه عدة حواجز عليه أن يتخطاها، وهي:

حاجز التوافق على تحديد أساس التفاوض مع النظام بين، أ) الإصرار على بيان جنيف وقرار مجلس الأمن 2118 وتشكيل هيئة الحكم الانتقالي كاملة الصلاحيات التنفيذية، أي لا صلاحيات خارجها، والتمسك بأن يعلن النظام والمعارضة، في بداية المفاوضات، أن أساس التفاوض هو بيان جنيف وقرار مجلس الأمن، علماً أن النظام يرفض “جنيف” كلياً، ويعادي كل من يؤيد جنيف، وب) وبين من يتمسك بعدم وضع أي شرط مسبق للتفاوض، بما يعني فتح الباب أمام بقاء رأس النظام والنظام.

حاجز النص صراحةً على أن لا دور لبشار الأسد، لا في المرحلة الانتقالية ولا بعدها، حاجز التوافق على أن مؤتمر الرياض هو مرجعية التفاوض مع النظام ومرجعية وفد المعارضة، وقد يبرز خلاف حولها بين من يوافق على هذه الفكرة ومن يريد “الائتلاف” مرجعية ومن لا يريد أيّ مرجعية، وأن يكون الوفد مرجعية نفسه. حاجز التوافق على انتخاب سكرتاريا لمؤتمر الرياض، تكون بمثابة قيادة سياسية لعملية التفاوض، وقد يكون هذا موضع صراع، فالائتلافيون، وعددهم قرابة 40 عضواً في مؤتمر الرياض، يرغبون في أن يكون “الائتلاف” المرجعية، بينما مجموعات أخرى، وهم الغالبية، ترفض هذا الأمر بتاتاً، ولا تراه منطقياً ولا مقبولاً. حاجز تسمية وفد التفاوض، وسيكون هذا موضع صراع كبير.

قد ينجح مؤتمر الرياض في تجاوز هذه الخلافات، ويخرج بنتائج مقبولة من الجميع تقريباً، وخصوصاً عبر الضغط السعودي، وقد تبلغ الخلافات حد انسحاب بعض المشاركين، لا سيما ما تسمى المعارضة اللينة، وإن انسحبت ستعطي الروس حجة أن وفد المعارضة للتفاوض لا يمثل كل أطيافها، وسيطالبون بحصة من وفد التفاوض، وإن تراخى المؤتمر في مخرجاته كي يضمن بقاء الجميع بدون انسحاباتٍ، فقد تجد الفصائل المعارضة نفسها في وضع حرج، ما لم يخرج المؤتمر بموقفٍ قويٍّ يتوافق وحجم التضحيات والقتل والدمار المستمر، وقد تجد نفسها مضطرة للانسحاب، لأن قواعدها ستحاسبها، والتراخي من الفصائل يدفع مجموعات منهم إلى الذهاب إلى “جبهة النصرة”. إذن، يضم المؤتمر مجموعاتٍ، ليس من السهل التوفيق بين مواقفها.

المجموعة الثانية حواجز مؤتمر فيينا/ نيويورك وما سينتج عنه، وفي حال نجاح مؤتمر الرياض والقفز بنجاح فوق جميع حواجزه، ستواجه المعارضة حواجز مؤتمر فيينا/ نيويورك. وفي حال كانت مخرجات “فيينا” تعزز الموقف المتمسك بعملية انتقال سياسي فعلي في سورية، أم كانت تعزز الموقف المتساهل مع الأسد وبقائه، خصوصاً وأن أحداث “داعش” تدفع الموقف الدولي باتجاه قبول الأسد، ويتوقع أعمال أخرى لداعش كي تدفع المجتمع الدولي أكثر نحو قبول النظام “شريكاً لا بد منه”، في محاربة داعش. هذا الحاجز ليس للمعارضة أي يد فيه، أو تأثير عليه، ولكن، لكل من السعودية وقطر وتركيا تأثير عليه، فكيف ستتصرف هذه الدول الثلاث في فيينا/ نيويورك، لمواجهة الضغوط الأميركية والروسية المتوقعة في مؤتمر فيينا/ نيويورك؟

المجموعة الثالثة من الحواجز هي المفاوضات بين المعارضة والنظام، ففي حال تخطي حواجز مؤتمر الرياض ومؤتمر فيينا – نيويورك بنجاح، سيبقى الحاجز الأصعب، وهو المفاوضات مع النظام، فقد تبرز اختلافات وجهات النظر ضمن وفد المعارضة نفسه في أثناء عملية التفاوض. وفي حال تخطي حدوث خلافاتٍ ضمن وفد المعارضة، عبر التنسيق والتحضير الجيدين، ستبرز الخلافات الكبيرة مع وفد النظام الذي سيتشدد لدفع المعارضة إلى الانسحاب، عبر طرح مناقشة مسألة الإرهاب أولاً، وهو طرح يلقى تأييد الروس (شركاء النظام) وتعاطف الأميركان والأوروبيين، وتأييد مندوبي لبنان ومصر وغيرها. وقد تتوقف المفاوضات بعد الجولة الثانية، أو الثالثة، من دون إحراز تقدم. وحينها، يتوقع تصاعد القتال، بعد أن يهدأ قليلاً في أثناء المفاوضات، وسيسعى الطرفان إلى تحقيق مكاسب على الأرض، وقد تمضي ثلاثة شهور تقريباً إلى حين إعادة ترتيب جولة مفاوضات ثانية، ولكن، لا أحد يعرف كيف ستكون النتائج.

يتوقع أن تكون استراتيجية الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، عدم تسهيل اجتياز هذه الحواجز وعرقلة الوصول الى أي توافق، الآن، ريثما ينجز استراتيجيته المتمثلة بالقضاء على الفصائل المقاتلة للمعارضة السورية، أولاً، قبل القضاء على “داعش”، لكي يبقى في الميدان النظام و”داعش”، ما يضع المجتمع الدولي أمام خيار وحيد، هو محاربة “داعش”، وتمكين النظام، لأن القضاء على “داعش”، قبل القضاء على فصائل المعارضة المسلحة سيقوّي موقع الأخيرة من جهة، ومن جهة أخرى، سيجعل القوى الغربية تعود إلى موقفها الأول، وتصر على تحقيق انتقال سياسي في سورية، من دون الأسد. وهي الاستراتيجية التي يطبقها بوتين، منذ لحظة تدخله الفعلي في الصراع السوري، في 30 سبتمبر/أيلول 2015، فهو لا يقصف مواقع “داعش”، ويركز قصفه على المعارضة المسلحة، بل تهاجم “داعش” مواقع المعارضة في حلب، في الوقت الذي تهاجمها فيه قوات النظام، بينما يقصفها بوتين من الجو، وهو يستغل إسقاط الأتراك الطائرة الروسية لتنفيذ هذه الاستراتيجية بقوة أكبر.

أما القوى الغربية فهي ترى وتسمع، لكنها لا تريد أن تفعل شيئاً، حتى الآن، فهي تنتظر أن تغرق روسيا في الوحل السوري أكثر، ولا يهمها كم من الأرواح السورية ستزهق، وكم من البيوت ستهدم، وحتى القوى الداعمة للمعارضة فهي تنتظر نتائج مؤتمرات الرياض وفيينا ونيويورك، والمفاوضات مع النظام وغيرها، بينما بوتين يفعل، فهو لا يعول ولا ينتظر.

أما كيف ستسير الأمور في الشهور المقبلة، فهناك أكثر من سيناريو، وهي مفتوحة على جميع الاتجاهات. لكن، هل سيناقش مؤتمر المعارضة في الرياض كل هذه الموضوعات وسيناريوهات تطور الأوضاع ويطور استراتيجية لمواجهتها؟ 

المصدر : العربي الجديد 

زر الذهاب إلى الأعلى