عقدت مؤتمرات كثيرة من أجل القضيّة السوريّة. فهناك جنيف 1 وجنيف 2، وهناك موسكو 1وموسكو 2، وهناك القاهرة 1والقاهرة 2 وهناك باريس وغيرها، فما الذي يجعل مؤتمر الرياض مختلفا؟ ما الذي يجعله أكثر أهميّة من غيره؟ لا بد أن نضعه، أولاً، في سياقه، حتى نستطيع أن نفهم حدوده وآفاقه.
أصدر، في 14 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أعضاء “المجموعة الدولية لدعم سورية”، والتي تضم أميركا وروسيا ودولا أوروبية وتركيا وإيران، ودولاً عربية أهمها السعودية ومصر والإمارات وقطر، بياناً دعت فيه إلى إجراء مفاوضات رسمية بين النظام والمعارضة السوريين، تحت إشراف الأمم المتحدة في موعد نهائي، هو الأول من يناير/كانون الثاني المقبل.
استعد النظام السوري جيداً لهذه اللحظة، فعلى أرض المعركة، ازداد تماسكه، وكذا قوته، بعد تدخل روسيا لحمايته، وعلى المستوى الدبلوماسي، لم يتغير فريقه التفاوضي كثيراً منذ بداية الأزمة. فتحت إشراف مباشر من الأسد، يتكوّن هذا الفريق من وزيري الخارجية والإعلام وليد المعلم وعمران الزعبي، ومستشارتيه، السياسية بثينة شعبان، والإعلامية لونا الشبل، ونائب وزير الخارجية فيصل المقداد، والدبلوماسي أسامة علي، والمستشار في وزارة الخارجية أحمد عرنوس.
بشأن المعارضة، هناك ثلاث مشكلات: أنها متشظيّة وليست موّحدة، وتعاني بشكل كبير من صراع أجنحة حاد. وأن المعارضة في الخارج لم تنبثق عن الفصائل المقاتلة في الداخل، وأن العلاقة بين الداخل والخارج ليست علاقة تفويض وتمثيل، بقدر ما أنها علاقة شبه معدومة، إنْ لم تكن علاقة صدام وتنافر. المشكلة الثالثة، انعدام التصوّر والرؤية الواضحة والبرنامج المحدد الذي يمكن أن تتفاوض عليه.
عقد مؤتمر الرياض بهدف حلّ هذه المشكلات الثلاث، من أجل التحضير للمفاوضات مطلع العام المقبل، فهو يختلف عن مؤتمرات المعارضة التي سبقته في أنه أكثرها تمثيلاً، حيث يمثل قطاعات كبيرة من المعارضة ومن الفصائل المسلحة. من بين المدعوين المائة وأربعة، اعتذر اثنان، هيثم منّاع وبرهان غليون. وباستعراض قائمة التيارات المدعوّة، نجد أن الأكراد والتيارات المصنفة بأنها غير معتدلة والتيارات القريبة من النظام السوري أبرز الغائبين.
فقد جاء رد الأكراد بعقد مؤتمر خاص بهم في مدينة المالكية شمال شرقي سورية، حيث يضم التشكيلات المتنوعة لحزب العمال الكردستاني المهيمن في المناطق الكردية السورية، بالإضافة إلى عرب منشقين من المعارضة من حلفاء هيثم منّاع. اعتبر المؤتمر إقصاء الأكراد من مؤتمر الرياض مؤامرة ضدهم، ويعتبر الهمّ الرئيسي للأكراد تأمين حصولهم على شكل من الحكم الذاتي في سورية المستقبلية، أياً كان الاتفاق المتخذ. ونظرا لقربهم من روسيا، ولاعتماد الحكومة الأميركية عليهم في حربها ضد داعش، فالمتوقع أن يمثل الأكراد ورقة مهمة في المفاوضات.
ستشكل المعارضة القريبة من النظام، هي الأخرى، مؤتمراً خاصا بها في دمشق، سيضم تيارات من قبيل حزب التضامن، حزب سورية الوطن، وهيئة العمل الوطني الديمقراطي، وغيرها. ونظرا لأنها في دمشق، ولأنها تعمل تحت مرأى النظام السوري ومسمعه، فالواضح أن الهدف منها منازعة المعارضات الأخرى في احتكار صفة المعارضة، ومحاولة إقحام نفسها في الفريق المعارض، من أجل تحسين فرص النظام في التفاوض.
أخيرا، جاء ردّ جبهة النصرة، أبرز ممثلي الحركات (غير المعتدلة) في سورية، بالإعلان عن عقد مؤتمر صحافي بين زعيمها الجولاني وثلاث قنوات، هي الجزيرة وأورينت والغد العربي بالإضافة للإعلامي المستقل، هادي العبدالله، حيث ذكر أنه سيتناول موقف جبهة النصرة من مؤتمر الرياض، ومن فك ارتباط الجبهة بالقاعدة وقضايا أخرى.
هذه هي الصورة العامة التي يأتي فيها مؤتمر الرياض، فهو يعتبر آخر محاولة جادة لتوحيد المعارضة، والخروج بموقف وفريق موحّد منها، لتمثيلها في المفاوضات. في حال فشلها، سيبدأ صبر القوى الكبرى بالنفاد، خصوصاً أن أولوياتها تتجه سريعاً، مع كل ضربة تقوم بها داعش، نحو أولوية التخلص من داعش على أولوية إسقاط النظام السوري. وفي حال فشل المعارضة، هذا يعني التحوّل نحو دعم أي فريق على الأرض، بما في ذلك النظام السوري، للقضاء على داعش، وهذا الذي تريده داعش (وليس غريباً أنها وقتت ضرباتها في باريس، قبل اجتماع المجموعة الدولية لدعم سورية بيوم)، وهذا الذي يريده النظام. وذلك لأن داعش والنظام يهمهما أن تتحول المعركة في سورية صفريّة: بالنسبة لداعش (إما النظام المعادي للسنة أو الخلافة السنيّة)، وهي المعادلة التي حققت لها بعض النجاح والتقدم في العراق. وبالنسبة للنظام (إما النظام العلماني أو الإرهاب)، وهي المعادلة التي تمثّل له الأمل الوحيد لشرعنة نفسه دوليا.
سيعتبر نجاح مؤتمر الرياض في تحقيق أهدافه مغامرة، لعدة أسباب، أهمها أن الحاضرين مدعومون من دول مختلفة، لا تتفق غالبا في أهدافها ومصالحها حول ما يجري في سورية.
وأن الإعداد للمؤتمر كاد أن يفشل مرات، بسبب صراعات الأجنحة داخل تيارات المعارضة، الأمر الذي لا يبشّر بتوقف هذه الظاهرة. وإذا كان المؤتمر قد نجح في توحيد المعارضة على تشكيل وفد التفاوض مع النظام، فإن هذا النجاح لا يعني بالضرورة نجاحه في الاتفاق على برنامج سيوفر لسورية مستقبلا ديمقراطياً، تحمى فيه حقوق مواطنيها، عوضاً عن نماذج المحاصصة الطائفية التي يتم من خلالها تفريغ عروبة البلد من محتواها، وعزله تماما عن دوره الإقليمي، ونقله من الحرب الأهلية الساخنة إلى حرب أهلية باردة كالتي تحدث في جاريه، العراق ولبنان.
المصدر : العربي الجديد