الانتقال من الحرب العسكرية الجوية على “داعش” في سوريا إلى حرب برية تشترك فيها الأسلحة الجوية والصاروخية وحتى البحرية إذا اقتضى الأمر، والانتقال من الحرب “المتقطعة” الجوية والبرية على “داعش” في العراق، لا يمكن أن يتحققا إذا لم يعدّ القائمون بالحرب المشار إليها، بدءاً من أميركا وروسيا وانتهاءً بتركيا والسعودية وإيران ودول أخرى غيرها، خططاً عملية لمواجهة فلول “داعش” بعد اندحاره والقضاء على “خلافته” التي جعل من الرقة السورية والموصل العراقية الأساس الجغرافي الأوّل لها.
هذا ما يقوله المتابعون العرب أنفسهم لأوضاع سوريا والذين لبعضهم علاقات جيدة مع كل أطراف الصراع المحتدم في الشرق الأوسط.والدافع إلى هذا القول اقتناع أصحابه بأن ضرب دولة “داعش” في سوريا سيدفع اتباعها ومقاتليها إلى الفرار إلى دولته في العراق. والعكس صحيح أيضاً.
ويعني ذلك أن المشكلة ستبقى قائمة والإرهاب سيبقى شغّالاً لأن الحرب لم تقضِ على دولته ومؤسساتها، ولم تحتل الجغرافية العراقية – السورية التي قامت عليها. والدافع إلى القول نفسه أيضاً هو غياب الخطط لمعالجة مرحلة ما بعد القضاء على دولة الخلافة وخصوصاً مصير أبنائها وأنصارها ومقاتليها وخصوصاً الذين منهم ينجحون في الفرار.
ذلك أن انتشار هؤلاء تسلُّلاً طبعاً في لبنان حيث يستطيعون أن يختبئوا في بعض المخيمات الفلسطينية، أو حتى في بُقع لبنانية معينة لا تزال فيها لهم بيئة حاضنة وإن صغيرة جداً وبكل المقاييس، وفي الخليج بضفتيه العربية والإيرانية وخصوصاً في دولتيه الكبيرتين السعودية وإيران، ذلك أن هذا الانتشار لا بد أن يشعل المنطقة وينشر عدم الاستقرار فيها. وبدلاً من حل المشكلة الارهابية في سوريا والعراق تكون الحملة العسكرية رغم نجاحها فاقمتها بإتاحة الفرصة للإرهابيين كي ينشطوا في المنطقة كلها.
كيف يمكن تلافي الخطر المشار إليه هذا؟
يعتقد المتابعون أنفسهم أن الوسيلة الأولى لتلافيه هي اتخاذ كل ما يلزم لمنع انتشار مقاتلي “داعش” المهزومين في الدول المذكورة أعلاه. ولا بد أن يدفعهم ذلك الى التوجه نحو ليبيا وتحديداً سرت حيث لـ”دولة الخلافة” آلاف المقاتلين. وربما يكون مفيداً تسهيل فتح ممرّ لهم إلى هذه الدولة. طبعاً لا يعكس هذا الموقف عدم اهتمام بليبيا وشعبها. لكنه، وجرّاء عدم القدرة أو الرغبة الآن على وقف حربها الأهلية وبسبب أولوية قلب الشرق الأوسط والخليج بضفتيه العربية والفارسية، يرمي إلى حصر هؤلاء فيها رغم خطرهم منها على شمال افريقيا العربي وعلى دول افريقية غير عربية وعلى جنوب أوروبا. وطبعاً لا بد أن يقوم من يستهدفهم هذا الخطر بمواجهته وبمساعدة من المجتمع الدولي كله.
ويعتقد المتابعون أنفسهم أن الوسيلة الثانية يجب أن تكون تحسين العلاقة العدائية الآن بين السعودية وإيران لان تعاونهما ضروري لإنقاذ الخليج من إرهاب “داعش”. ويكون ذلك بحوار ينهي القطيعة ويؤسس لتفاهمات أولية تفرضها مصلحتهما معاً، وبتجاهلهما موقتاً أسباب عداوتهما إذ تستطيعان معالجتها لاحقاً في أجواء هادئة. ومنها اتهام طهران الرياض بكونها الرحم الذي خرج منه “القاعدة” ولاحقاً “داعش” بسبب “وهابيتها”. ومنها في المقابل اتهام الرياض طهران بتنفيذ مشروع قومي – مذهبي أي فارسي – شيعي للسيطرة على العالم الإسلامي أو على الأقل على العالم العربي. وتبدو تصريحات وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف الداعية إلى الحوار مع السعودية هذه الأيام أكثر جدية من تصريحاته وغيره أيام التفاوض النووي مع الـ5+1، ربما بسبب الشعور بالخطر الذي لن يستثني أحداً اذا اشتعل الخليج بضفتيه جرّاء انتشار “داعش” و”القاعدة” وغيرهما فيه.
وفي هذا المجال يدعو المتابعون أنفسهم إيران إلى الانتباه إلى أمر مهم هو بداية تحوّل السعودية من دولة دفاعية تنكفئ أمام أي تحد إقليمي لاقتناعها بحماية أميركا الدائمة لها إلى دولة هجومية بكل معنى الكلمة. وحربها في اليمن واشتراكها في تحالف أميركا ضد الإرهاب ثم تأسيسها تحالفاً إسلامياً لهذه الغاية فاستعدادها لإرسال قوات برية إلى سوريا دليل على ذلك.
والتحوّل سيكتمل، وقد يشكل خطراً على إيران اذا لم تعد علاقتها طبيعية مع السعودية. كما أن الخطر سيكون أكبر إذا فشل التحول لأن ذلك يفتح الباب أمام الفوضى في السعودية وتالياً في الخليج بضفتيه. ولا يهم هنا اعتبار التحوّل نتيجة طموح كبير لولي ولي العهد السعودي أو اختلاف داخل العائلة الحاكمة في المملكة، سواء صح ذلك أو لم يصح، أو نتيجة خطة استراتيجية جديدة للدفاع عن الذات والدور.
المصدر : النهار