الانتصار القوي الذي حققه المرشح الرئاسي دونالد ترامب في “الثلثاء الكبير” عزّز موقفه المتقدم في السباق الجمهوري الى البيت الابيض بعد فوزه بأكثرية الولايات الاحدى عشرة التي صوتت، هو انتصار تاريخي، لان ترامب جاء الى السباق من خارج الطبقة السياسية المحترفة، ولانه تغلب على معارضة قيادات الحزب لحملته، ولأسلوبه غير التقليدي ومواقفه النابية التي تقترب من الشوفينية والعنصرية.
ترامب يتصرف كأنه يقود حملة تمرد على ما يدعي انه نظام سياسي – اقتصادي فاسد في واشنطن، على رغم انه ابن هذا النظام واستفاد منه ومن قوانينه لجمع ثروة كبيرة.
هيمنة ترامب لا تعني بالضرورة ان حصوله على ترشيح حزبه بات حتمياً، لكن وقف زخمه الان اصبح أكثر صعوبة، وربما مستحيلاً، الامر الذي يضع الحزب الجمهوري للمرة الاولى في تاريخه امام انقسامات واستقطابات عميقة قد تغير طبيعته جذرياً.
كتب الكثير عن “ظاهرة” ترامب، ونجاحه في استغلال استياء الناخب العادي من نظام الحزبين، الذي يرى العديد من الاميركيين من مختلف الخلفيات انه اما تخلّى عنهم وإما لا يمثلهم. وفي هذا السياق يطرح ترامب نفسه كمخلص آت من اليمين السياسي، كما يطرح المرشح الديموقراطي – الاشتراكي برنارد ساندرز نفسه كمخلص آت من اليسار السياسي.
لقد ادعى العديد من الجمهوريين ان ترامب “اختطف” حزبهم، وشوه مواقفه وطروحاته. لكن الواقع المّر، والذي لا يريد زعماء الحزب الاعتراف به، هو ان الحزب الجمهوري (وما يسمى الحركة المحافظة التي رسختها ما أطلق عليه “ثورة ريغان” في ثمانينات القرن الماضي)، هو الذي أوجد “ظاهرة” ترامب. محافظو ريغان، حولوا شعار “الحكومة هي المشكلة”، وهو شعار يهدف الى تقليص دور الحكومة في حياة الفرد، الى “الحكومة هي العدو”، وحولوا معارضة رفع الضرائب الى ما يشبه الحركة الدينية.
هذه المواقف ازدادت شراسة وحدة بعد انتخاب باراك أوباما رئيساً. صحيح ان انتخاب أوباما أبرز أجمل ما في أميركا، لكنه أظهر أيضاً أسوأ ما فيها. وهكذا اصبحت العنصرية الخجولة والمختبئة تحت السطح أكثر صراحة، من خلال ظاهرة “حزب الشاي” بنبرتها التمييزية، وعدائها لاوباما تحت ستار انه “اشتراكي” أو “مسلم” أو أنه لم يولد في أميركا. آنذاك شن ترامب حملة تشكيك في جنسية اوباما الاميركية. وقرر زعماء الحزب الجمهوري عدم التعاون مع اوباما في الكونغرس.
والان جاء ترامب – الوحش الذي أوجده الحزب – لكي يسيطر عليه.
المصدر : النهار