أوباما والأسد وعنقود العنب
هل أرادت أمريكا الأسد أم بقاء الأسد؟
المراقب لكيفية قيام الأمريكين بانتقاء رئيسهم ورحلة الانتخابات، والصولات، والجولات الكفيلة بالتركيز على أصغر، وأكبر نقطة ضعف في المرشح، يدهشه غباء أوباما في التعامل مع القضية السورية، والثورة فيها، وركونه للاستسلام أمام تواجد الأسد في السلطة.
أوبام الذي هدد بشار الأسد عشرات المرات بالأيام المعدودة، والكثير من الخطوط الحمراء لم ينفذ أيا من تهديداته، بل سمح للأسد بالتمادي أكثر، ونشر إجرامه وقواته وأسلحته بشكل أكبر.
فهل يستحق اوباما لقب الغبي لعدم تدخله في سوريا، وهو نفس اللقب الذي أطلق من قبل الكثير على جورج بوش الإبن لتدخله في العراق؟.
ولماذا لم يتدخل اوباما في سوريا، وما الذي ميز الحرب في العراق لتكون درسا لاينسى للأمريكيين، وترفع درجة ذكاءهم الاستراتيجي، والتكتيكي لتستخدمه في سوريا؟
أمريكا غرقت في مستنقع العراق بعد أن اختفى الجيش العراقي على أبواب بغداد. ويرى محللون أن معركة المطار لم تكن سوى تأخير الدخول المريح للقوات الامريكية في سبيل تفكيك الجيش، وتحويله إلى خلايا نائمة أذاقت الأمريكان مرارة الحرب.وانقلب قادة الجيش العراقي إلى قادة جماعات، أو مخططين للمقاومة ومنهم عزت الدوري الذي كان يشغل منصب نائب رئيس مجلس قيادة الثورة، إضافة للقادة الذين وضعتهم أمريكا على أوراق اللعب “الشدة”، وتخلصت منهم واحدا تلو الآخر في وقت قياسي، اكتشف الجميع بعده أن هؤلاء كانوا منصات فقط، وأن موتهم لم يكن سوا تغييبا للقادة، وليس تخلصا من خططهم، الأمر الذي ثبت خلال السنوات التي تلت سقوط بغداد، وإعلان هزيمة الجيش العراقي.
لكن ارتفاع وتيرة القتال وعدد الجرحى والقتلى الأمريكيين على يد متمرسين من الجيش العراقي، والمخابرات، والقوات الخاصة إلى جانب الخلايا التي أرسلتهم سوريا وإيران ليستخدموا في إرهاق أمريكا وتشكيل عصابات وصحوات وما إلى هناك من تجمعات مدربة منها نائمة وأخرى فاعلة بعثية وجهادية ومرتزقة، بشهادة الإعلام وقتها، واعتراف العسكريين الامريكيين أنفسهم هذا القتل لم يمر مر السحاب على المخططين الأمريكيين.
فالمستنقع الذي غرق فيه جورج بوش الابن أورث القيادات الأمريكية مناعة، وخبرة في التعامل مع الانظمة الاستخباراتية، والبعثية، وعلمت تماما أن القضاء على بشار الاسد سيكون مطابقا بشكل كبير بل وأخطر من القضاء على صدام حسين، ويشبه عنقود العنب الذي يشكل بشار الأسد عقدة الربط فيه، والخلايا البعثية والمخابراتية، والجهادية إن صحت التسمية “حبات العنب “، وكان من ضمن ما أعطى اوباما الطمأنينة لعدم التدخل في سوريا هو تهديد أحمد بدر الدين بأن النظام السوري يمتلك خلايا نائمة حول العالم قادرة على التحرك، والتفجير، والتخريب، الامر الذي دفع مخططي الولايات المتحدة للإسهاب في إطالة أمد حكم بشار الأسد لتكثر بعدها الخطوط الحمراء، والتي كانت تكتيكات ناجحة هدفها الكشف عما يستطيع بشار، وعنقوده من اتباعه القيام به، وكان الرئيس الأمريكي يستفز الأسد بخطوطه، ويعطيه الذرائع لاستخدام مايملك من أسلحة تخشى أمريكا انتشارها في العالم.
فكان الخط الأحمر استخدام الكيماوي الذي لجأ إليه بشار مباشرة بعد التهديد الأمريكي، وكان أوباما كلما أراد من الأسد أن يقوم بتحرك لكشف جزء من قواته، ويورطه أكثر هدده بالخطوط الحمراء، ليتم فرط عنقوده بداية بسحب السلاح الكيماوي ثم إرهاق جيشه واستخباراته عن طريق الاغتيالات والانشقاقات، ولانقول إن اليد الأمريكية ساهمت في جميع الاغتيالات لكنها بتركها بشار الأسد في القيادة جعلت من الوصول لقياداته والصفوف المخابراتية الأولى ثم الثانية حتى الأخيرة سهلا، بوالتالي قوضت عملها لتنتهي من إمكانية وجود خلايا نائمة تحاول التحرك في أمريكا. لذلك يمكن القول أن أوباما أراد إطالة أمد حكم بشار ليتخلص من حبات عنقود العنب العسكري والاستخباراتي.
أوباما أعلن منذ بضعة أيام وقبل الانسحاب الروسي من سوريا بيومين عن إنه مسرور لعدم تدخله في سوريا وهو يعني تماما ما يقول فلو كان قتل بشار الأسد لكانت توزعت المنظومة الاستخباراتية، والعسكرية، ولكانت سوريا والعراق وكثير من الدول تعج بأمثال البغدادي والجولاني الآن، ولأصبحت أمريكا في مستنقع أعمق وأكبر من المستنقع العراقي.
وحين عرفت أمريكا أن الأسد ساقط لامحالة قبل الانتهاء من عنقوده تغاضت عن التدخل الروسي كما تغاضت عن التدخل الايراني لحماية الأسد الذي يرتبط وجود داعش بوجوده بما قدمه لها سواء عن قصد، أوعن غير قصد من أسلحة، وبترول وطرقات للتحرك العسكري دون قصفها، فالأسد سيبقى حتى تنتهي داعش وينتهي نظامه العسكري والاستخباراتي إما قتلا، أواختفاءا، أو انشقاقا ثم يتم التخلص منه بطريقة أو بأخرى.
المصدر: وطن إف إم