مقالات

فاطمة ياسين – شمال سورية/ غرب كردستان

سحب النظام السوري، في يوليو/تموز عام 2012، قواته من معظم منطقة الجزيرة وكوباني/ عين العرب، بعد أن واجه ضغطاً عسكرياً، في مناطق أخرى من سورية، أكثر أهمية بالنسبة له.. منذ تلك اللحظة، والمنطقة “تدار ذاتياً”، بمعزل عن سلطة النظام المركزية التي تحولت إلى أمر شكلي، لا يقدم ولا يؤخر.

استفاد كرد المنطقة من دعم أميركي وروسي، وواجهوا، بحذرٍ وتوجس، دعوات تركيا إلى إقامة منطقةٍ عازلة، تشكل المنطقة الكردية نفسها القسمَ الأكبر منها. هجوم تنظيم داعش الذي جرى، منتصف العام الماضي، على عين العرب، واجتياحه السريع معظم قراها، حرّك ركود المنطقة، وجعل قوات حماية الشعب الكردية تتحول إلى جيشٍ متماسكٍ أغدق عليه السلاح، حتى من الجو، فتمكّن من استرجاع عين العرب من داعش، ومعها مجموعة القرى المحيطة بها، تلا ذلك هجوم معاكس لوحدات الحماية على مناطق جديدة، وظهرت نياته بعبور الفرات إلى ضفته الغربية حيث جرابلس، رافقه هجوم كردي آخر من ضفة عفرين باتجاه أعزاز، ليكتمل القبض على كامل الحدود التي كانت تفصل سورية عن تركيا.. عند هذه اللحظة، علا صوت المدافع والدبلوماسية التركية، لقطع الجسر الجغرافي الذي ينوي الكرد إقامته، لوصل أقاليم “روج آفا” الكردية الثلاثة.

توقف زحف قوات الحماية الكردية عند ضفة الفرات الشرقية، عندما أدركت أن العبور غير مسموح باتجاه جرابلس، فأعطت الفرصة لمقاتليها أن يأخذوا قسطاً من الراحة، لأنها قرّرت، هذه المرة، بدء مواجهةٍ سياسيةٍ بإعلان فيدرالية إقليم “غرب كردستان”.

لا يغير الإعلان بحد ذاته شيئاً، لأن الحالة المعلنة كانت، في الحقيقة، أمراً واقعاً، منذ أفسح النظام السوري لقوات صالح مسلم المجال لتتسلم زمام المبادرة، قبل ثلاث سنوات، لكن أهمية الإعلان تأتي بعد اللغط الإعلامي الذي دار حول فيدرالية سورية، ولتسجيل نقطة كردية، يمكن الاستفادة منها لاحقاً، وربما لقطع الطريق، بشكل نهائي، على دعوات تركيا إلى إقامة منطقة عازلة، تكون فيها اليد الطولى لها.

لم ترُق الخطوة لأحد، فتمت مواجهتها بالرفض من روسيا وأميركا والنظام الذي وجد فيها تجاوزاً “لدستوره”، كما رفضتها المعارضة، ولكن ذلك كله لم يغير من الواقع شيئاً.

لا يأتي إعلان الفيدرالية، في الوقت الذي تعقد فيه محادثات جنيف، مصادفة، ولا تم عن سابق اتفاق، فقوات صالح مسلم جرى استبعادها من تلك المفاوضات، حيث وجد فيها وفدُ المعارضة الرسمي صنواً للنظام، ورفع في وجهها فيتو تركياً، باعتبارها شقيقاً لحزب العمل الكردستاني. لذلك، أراد صالح مسلم أن يُظهر موقفاً حادّاً بإعلانٍ من هذا النوع، يقول فيه، بطريقة غير مباشرة، إن ما نسعى إليه تحقق عملياً، وإن حضور المفاوضات مجرد بروتوكول، قد لا يلزم قوات الحماية، مع حرصه على نغمة إعلاميةٍ، تصر على أن العلاقة بين وحدات الحماية وحزب العمال غير موجودة، من دون إعطاء تفسيرٍ لوجود صورة عبد الله أوجلان في مكتب صالح مسلم، وعلى أذرع مقاتلي الوحدات.

اكتسبت وحدات الحماية سمعتها “الجيدة” من إدارتها الفعالة المتماسكة، والبعيدة عن التطرف الديني لمناطقها، ومن انتصاراتها على قوات تنظيم الدولة، وهي مؤهلة، الآن، لتكمل مشروعاً جغرافياً ناجحاً، بدأ منذ إعلان المنطقة الآمنة في شمال العراق، وتحول إلى فيدرالية تتمتع بلامركزية كبيرة.. تبقى الحاجة إلى إثباتٍ فعليٍّ، لعدم ارتباط وحدات الحماية بحزب العمال الذي يرتكب جرائم انتحارية بالأسلوب نفسه الذي يستخدمه تنظيم داعش، وربما عليه توضيح العلاقة الإثنية والدينية التي تربطه في المنطقة على ضوء الفيدرالية التي أعلنها.

والمنطقة، كما نعلم، خزان مليء بالإثنيات والأعراق والأديان، وضبطُها بحاجة إلى “قوة” يملكها الكرد، لكن استخدام هذه القوة داخلياً سيعيد كل شيء إلى نقطة البداية. وعندها، ربما نكون بحاجةٍ إلى فيدرالية داخل الفيدرالية، لنتمكّن من ضبط كل مكونات “غرب كردستان”. 

المصدر : العربي الجديد 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى