مقالات

ماجد عبد الهادي – يرون الذئب ويبحثون عن أثره!

منذ نحو سنة، كفّ تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” عن بث تسجيلات فيديو، تعرض قطع رؤوس رهائن غربيين، وسواهم من الأجانب والعرب، بإخراج سينمائي احترافي، وطافح بالمؤثرات البصرية والسمعية. تلك تقليعة، أو موضة، أو قل لغة حربية، تعالت وازدهرت، شهوراً بعد إعلان “الخلافة الإسلامية” في يونيو/حزيران 2014، فحققت، عن قصد أو غير قصد، غرض ترويج الصور المروّعة التي وفّرت، بدورها، مبرر قيام التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، وجعلت دول العالم وشعوبه تتفهم إرسال الطائرات الحربية من شتى أصقاع الأرض، لتقصف في العراق وسورية.

ملاحظة هذا المتغير الذي طرأ على السلوك الحربي لـ”داعش” لن ينفع لتفسيرها القول، مثلاً، إن السكاكين ربما تكون قد تبلّدت، في الموصل والرقة ودير الزور، كما لن ينفع التكهن، هنا، باحتمال أن يكون “الخليفة” أبوبكر البغدادي قد راجع منهج ذبح “الكفار والمرتدين”، وتراجع عنه، ناهيك عن أن ثمّة ما يشبه الإجماع لدى صناع الأحداث ومراقبيها ومحلليها، في الشرق الأوسط، والغرب الأميركي والأوروبي، على أن ضربات القوة العسكرية الجوية الهائلة التي غطت سماء المنطقة، ولا تزال، قد أخفقت في أن تزحزح “دولة الخلافة”، إلا عن جزءٍ ضئيلٍ نسبياً من الأراضي الواقعة تحت سيطرتها. 

لماذا، إذن، توقف مسلسل قطع الرؤوس، وهل بلغ نهايته الدرامية المفتوحة، بتوجه المجتمع الدولي نحو حشر قوى الثورة والمعارضة السورية في مربع الاختيار بين أن تكون هدفاً للقصف، أو أن تصير ظهيراً له على الأرض في محاربة “داعش”، بما يعنيه ذلك من تأجيل المعركة ضد نظام بشار الأسد إلى أجل غير مسمى؟

هي تساؤلات قد توحي بنظرية المؤامرة، لكن مقاصدها الأهم تحيل إلى التباس معنى إصرار قادة الغرب الأميركي والأوروبي، على معالجة ظاهرة التطرف الإسلامي بمعزلٍ عن أسبابها وعوامل نشوئها وتمدّدها. إنهم يفعلون كمن يرى الذئب، أو قل الأسد، ويقصّ على إثره، وفق ما يقول مثل عربيٌّ معروف، فيتجاهلون حتى ما تقوله مراكز الأبحاث والدراسات في بلادهم، عن أن التطرف الإسلامي قد نشأ وترعرع على ضفاف مستنقع الدم الذي سفكته ديكتاتوريات، تتحالف معهم، أو يمنعون إسقاطها، على الأقل.

واستطراداً، لا في نظرية المؤامرة، بل في التساؤلات المثيرة للشك إيّاها، ثمة الآن سلوك إرهابي آخر مختلف عن الذبح بالسكاكين، يضرب في قلب عاصمة الاتحاد الأوربي، بروكسل، بعدما ضرب في باريس، وتعلن “الخلافة الإسلامية” مسؤوليتها عنه، بينما لا يقول أحد من قادة الغرب، كيف سيكون ردّهم، وما هي الحلقة الثانية في المسلسل الجديد، وما إذا كان مئات آلاف اللاجئين سيدفعون ثمن جرائم لا يد لهم في ارتكابها، بل فرّوا من جحيمها، أو أن أوروبا، وقد وصلت الحرب إلى عقر دارها، ستراجع سياساتها الداخلية، لتفهم، أولاً، ما وراء عدوانية بعض مواطنيها من أبناء الجاليات المهاجرة، وستراجع سياساتها الخارجية، لتكفّ، ثانياً، عن تأييد قوى الاحتلال والديكتاتوريات في الشرق الأوسط، وصولاً إلى تصالحها مع ذاتها، ومع مبادئها المتوارية خلف مصالحها منذ عقود.

أيها الأوروبيون؛ بكل التعاطف مع مواطنيكم الأبرياء المقتولين في بروكسل وباريس، وكل مكان، تعالوا ندلكم، نحن ملايين العرب والمسلمين على بيت الداء الذي يؤلبنا عليكم، ويدفع قلة منا ومنكم إلى انتقام اليائسين؛ إنه الاضطهاد التاريخي الذي تعرض له الشعب الفلسطيني، ولا يزال، على يد إسرائيل، دولة الاحتلال المحظية في مجتمع دولي، تسيطرون على مؤسساته، وتمنعونه من إحقاق العدل. إنه أيضاً الظلم والقمع والقتل اليومي الذي تتعرّض له شعوب المنطقة، من طغاة فاسدين، تفرشون أمامهم السجاد الأحمر، وتفتحون لهم أبواب قصوركم.

أيها الأوروبيون؛ الدم يستسقي الدم، فافعلوا، مرّة، ما يحقن دماءنا، لتحقنوا دماءكم. 

المصدر : العربي الجديد 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى