لماذا لم تنتصر الثورة السورية بعد خمس سنوات من النزيف والتضحيات؟ سؤال مُلحّ، على الأقلّ في ضوء هول العنف الذي شهدته وعدد الضحايا وتدمير مدن بأكملها وتهجير ثلثي السكان إلى خارج الوطن أو إلى مناطق فيه، والقيام بعمليات تطهير عرقي في بعض المواقع! الثمن باهظ، ولا تلوح في الأفق بارقة أمل رغم جولتي التفاوض في جنيف.
سأكون مجازفاً بعض الشيء وأدّعي أن الثورة كانت ستنتصر في نهاية عامها الثالث لو أنه تمّ تزويد الثوار، حتى في فصائلهم العلمانية المعتدلة فقط، بمنظومتي سلاح متطورتين، الأولى مُضادة للدروع والثانية مضادة للطائرات، ولو تلك المحمولة على الكتف. لو أن فصائل من الثوار امتلكت هذين السلاحين كانت الثورة انتصرت ليس فقط على النظام بل على داعش، لأنها كانت ستقطع الطريق عليها. لكن ينبغي تأكيد أن الغرب بقيادة الولايات المتحدة منع تسليح الثورة بهاتين المنظومتين، في إطار مناورات الولايات المتحدة لضبط نار الثورة وتكريسها خدمة لمصالحها في المنطقة وخارجها. وأرجّح أن الإدارة الأميركية منعت حلفاء الثورة من العرب أن يفعلوا ذلك (التسليح النوعي) وضغطت عليهم كي لا يكون تدخلهم أبعد من التدخّل الأميركي!
الأمر الآخر اللافت للنظر هو هذه «القصة» مع داعش. وهنا أيضاً أروم المجازفة والقول، بناء على دراستي للظاهرة في إطار رسالة جامعية، إنه لو أن المعنيين، وخصوصاً في الغرب، أرادوا القضاء على الظاهرة فعلاً، أو منع تمددها إلى سورية، لفعلوا في غضون شهر أو شهرين على الأكثر. لكن، مثلما كانت هناك محاور تحاول استثمار الثورة ووقائعها على الأرض، كان هناك نفس العدد من القوى الإقليمية التي استثمرت وجود «داعش» وناورت به، وأوّلها النظام السوري، الذي تفاهم مع التنظيم في أكثر من مفصل وموقع، خصوصاً في ما يتصل بتسليمه حقول نفط وغاز لاقتناء المازوت منها، أو لجهة تشغيلها ككاسر لشوكة فصائل معارضة أخرى في مواقع التماس القتالية. وكلّنا يذكر التمدد الداعشي المبثوث على الشاشات في شرق سورية وتدمر على مرأى ومرمى الطائرات الأميركية، التي تبدو الآن كأنها غطّت على التمدد ولم تأت لمحاربته! بل إن غارات الطائرات المختلفة الهوية على مواقع داعش وقواته خضعت بالكامل لرؤية أميركية وقصدت في حدها الأقصى تحجيم هذا التنظيم أو منعه من التمدد هنا أو هناك وليس القضاء عليه ليظلّ ورقة لعب.
الاستنتاج من المحورين الآنفين، أن تقاطع منظومات المصالح في سورية بين النظام وحلفائه وبين القوى الدولية والإقليمية مال لصالح النظام، بينما ظلّت ورقة الثورة ضعيفة ولا تعني الكثير لهذه المنظومة إلا بقدر ما خدمتها، فالإدارة الأميركية استعملت الورقة السورية بارتباط بالورقة الأوكرانية والروسية، وبتلك الإيرانية والتفاوض الغربي مع طهران حول مشروعها النووي. بمعنى إن الإدارة الأميركية لم تنظر إلى الثورة بذاتها أو بوصفها حقَّ شعب في التخلّص من طاغيته، بل كورقة يتقاطع التعامل معها مع مسائل أخرى على جدول مصالح تلك الإدارة. وخلافاً لما أشيع سابقاً، فإن الدور الأميركي كان أساسياً في إدامة الأزمة وبقاء النظام. ويُمكننا والحالة كهذه أن نقول إنها قدمت مصالح الشعب السوري المنتفض ومصالح داعميه الحقيقيين على مذبح مصالحها هي، والتي تلخّصت في جملة تفاهمات مع روسيا وإيران، الأمر الذي تنظر إليه تركيا والسعودية بقلق بالغ وبشعور بأن إدارة أوباما قد أدارت لهما ظهرها! بل نرى أنهما محجّمتان عن تدخل نوعي يقلب موازين الأمور على الأرض بسبب فيتو أميركي- روسي مشترك.
وعليه، سيجد الشعب السوري نفسه من جديد أمام مصيره وسيخلص إلى نتيجة أنه هو وحده القادر على الحسم، أو أنه من الأفضل إبقاء مسألة الحسم في يده هو وإن طالت الثورة. وهنا، نرى الأفضلية للثوار الخارجين من صلب الشعب وقضيته على أولئك الوافدين من الخارج. ومن هنا أيضاً، ضرورة المراجعة وبناء استراتيجية جديدة تعوّل على الداخل السوري وتراهن على التنظيم والاقتدار الداخلي، وهو ما يستدعي التخلّص من الرهان على قوى خارجية، وإن كنتُ على اعتقاد أن لهذه الثورة حلفاء مخلصين من العرب. أما احتمالات التقسيم السيادي أو الإداري لسورية كما حددتها اتفاقيات سايكس- بيكو، فينبغي ألا تمنع مثل هذه التدابير في صفوف الثورة وأولئك الذين ضحوا بكل شيء من أجل كنس الطاغية، فمن المهم والأفضل أن تكون لهم مشاريعهم ومخططاتهم ليواجهوا بها المرحلة المقبلة.
المصدر : الحياة