استعادة الجيش السوري بمعاونة الروس، مدينة تدمر تثبت ان الانتصار على “داعش” ممكن. ليست المرة الاولى يتقهقر هذا التنظيم، تعرض لهزيمة نكراء في كوباني، كذلك في تكريت والرمادي وسنجار. وقد نرى بعض قادته أسرى في اقفاص من حديد أو جثثاً مرمية، وسيشرب زعماء في الشرق والغرب نخب انتصارهم الجزئي على هذا الوحش المتعدد الرأس والمخلب.
فوائد كثيرة سيجنيها نظام الاسد من التقدم في اتجاه القلعة التاريخية، سيكسب ورقة قوة اضافية في الميدان والمفاوضات، سيوظفها ليرفع عن نفسه تهمة انه شريك ضمني للتنظيم ولتعزيز تسويقه لنفسه بأنه مكافح فاعل للارهاب. بوتين أيضاً يستفيد، سيقول إنه انسحب في سوريا من المعركة مع المعارضين المعتدلين، لكنه لايزال شريكاً أساسياً في المعركة ضد “داعش”.
بانسحابه النظري من المعركة الاولى، يغري السعودية ودولاً أخرى بأنه أوقف ضرباته لاصدقائهم السوريين، ويحرجها في آن واحد لانه يسقط ذرائعها للتملص من المفاوضات. وببقائه الفعلي محاربا على الارض، يسرق قصب السبق من واشنطن في الحرب على الارهاب وربما جرها الى معركة مباشرة مع التنظيم في الموصل أو الرقة حتى لا تخرج من حرب اعلنتها وتزعمتها، خالية الوفاض. الاهم ان اسقاط تدمر ليس استرجاعا لمدينة استباحها المتوحشون، بل اسقاط لخرائط وخطوط ديموغرافية وجغرافية، يجري تسويقها على انها حدود الدم بين الطوائف والمكونات السورية، فاذا ما تواصل القتال نحو الرقة شمالاً والحدود مع العراق شرقاً، فماذا يبقى من خريطة دولة سنستان المفترضة اذا ما نشأت دولة كردستان في الشمال وعلويستان في الساحل المفترضتين أيضاً؟
تعود تدمر مع تسارع وتيرة التسوية المحتملة للأزمة السورية، ويبدو ان هناك ما يشبه الاجماع على ان وضع حد للاقتتال في سوريا بالتسوية يفسح في المجال لطمس ظاهرة “داعش” في قلعته ومنع تدفق لاجئين جدد الى المدن الاوروبية هرباً من الموت المجاني، بعدما حولت نيران بروكسيل وقبل ذلك باريس وجودهم هناك ليس فقط الى عبء اوروبي لايحتمل بل دولي أيضاً؟
لكن هذه المحطة العسكرية، إما ان تكون حافزاً للمعارضين المقبولين والطبيعيين للمشاركة في العملية السياسية الجارية للتوصل الى تسوية سورية كبرى، ليس وفق موازين القوى العسكرية الحالية على الارض بل وفق معايير ضمان حقوق جميع السوريين وأخذ مخاوف الاكثرية والاقليات وهواجسها في الحسبان انطلاقا من بنود الاتفاق الدولي المتوازن والموزون الذي أعلن أخيراً في جنيف، وإما ان يستغلها اصحابها كورقة ضغط لفرض رؤيتهم الخاصة بالحل، وعندها لا يُعاد فقط انتاج الحل الامني في سوريا، بل انتاج ما هو اخطر من “داعش” بكثير.
المصدر : النهار