لا تنجح كل مساعي بشار الأسد في تقديم نفسه شريكا للغرب في محاربة الإرهاب، فكل محاولاته في استغلال براجماتية الغرب والهوس الكبير لإدارة أوباما بتنظيم داعش لن تساعد الأسد في سياق لعبة البقاء السياسي لاعتبارات كثيرة، فالرئيس بشار وإن كان لا يمانع في أن يكون أهون الشرّين إن كان ذلك سيساعده في الحصول على تحالف الأمر الواقع أو الضمني مع إدارة أوباما إلا أنه يدرك تماما بأن مسألة تأهيله من جديد قد لا تكون أمرا سهلا. ولا يبدو أن الهجوم الدبلوماسي الذي شنه نظام الأسد، الذي جاء في أعقاب استعادة مدينة تدمر من تنظيم داعش، سينجح في إعادة تأهيل بشار شخصيا ليكون رجل الغرب في سوريا، فإعلان الأسد عن استعداده للتعاون في محاربة الإرهاب لا يجد آذانا صاغية في الغرب لأن الفرضية الرئيسة هي أن بقاء الأسد هو عامل حاسم لاستمرار الإرهاب.
كثيرة تلك المحاولات التي بذلها نظام الأسد في تقديم نظامه وجيشه المتهالك في خدمة الغرب ومصالحه، ولا يغيب عن الذهن الرسائل التي بعث بها نظام الأسد إلى إسرائيل لعل الأخيرة تتدخل لدى واشنطن لتخفيف الضغط عن نظام الأسد، فتصريحات رامي مخلوف ما زالت عالقة في الذهن عندما أفاد بأن زوال نظام الأسد سيشكل تهديدا لأمن إسرائيل! صحيح أن بشار أكثر حرصا على ألا يثير غضب إسرائيل وبالتالي يغازلها بين الفينة والأخرى لكن هناك إجماعا دوليا بأن يديه ملطختان بالدماء وأن التحالف معه هو أمر لا يختاره إلا الطغاة.
في الأمس، أشارت صحيفة الحياة اللندنية عن مصدر مسؤول في مجلس الأمن إلى أن هناك تفاهما أمريكيا روسيا يقضي بترحيل بشار الأسد إلى دولة ثالثة، وهو أمر (إن كان صحيحا) سيعني أن مفاوضات جنيف الجارية ستكون توطئة لانتقال سياسي يمهد الطريق لإنهاء الأزمة السورية، ومع ذلك يقول الأسد إنه على استعداد لقبول المعارضة في حكومة جديدة، وكأن الأمر يدور حول إعادة توزيع حقائب وزارية، وليس تغييرا حقيقيا وانتقالا يعيد السلطة إلى الشعب السوري.
الناطق الرسمي باسم البيت الأبيض جوش أرينست قال قبل يومين إن بقاء الأسد جزءًا من العملية الانتقالية سينسف العملية السلمية برمتها وفي هذا تأكيد بأن المسألة ستتعدى بشار وأن إخراجه من سوريا هو مسألة وقت تتفاهم عليه كل من موسكو وواشنطن وليست مسألة يقررها بشار ونظامه.
مرة ثانية، إن صحت هذه الأخبار حول تفاهم روسي أمريكي بشأن مصير الأسد، فإن ذلك يعني أن أهم عقبة تقف أمام الحل السياسي ستذلل، وهذا أمر ربما يفتح الباب على مصراعيه لحل توافقي يفضي إلى سوريا الكاملة تحت نظام حكم تشاركي بدلا من تطويع كل السوريين للقبول بنظام طائفي بغيض. والحق أن رحيل بشار في نهاية المرحلة الانتقالية أو في وسطها سيكون أمرا إيجابيا لسوريا بشكل عام.
غير أن هذا “التفاهم” قد يصطدم بعقبات على الأرض لن يكون تذليلها أمرا هيّناً، فقد سمعنا كثيرا بأن روسيا ليست متمسكة بالأسد لنتفاجأ بالتدخل العسكري الروسي لمنع سقوط نظامه الذي كان على شفير الهاوية في شهر سبتمبر الماضي. ويشعر النظام الآن بنوع من الزهو وبخاصة مع استعادة مدينة تدمر من تنظيم داعش، ولا شك بأن العالم بات يراقب ويقارن بين بشار وما يمثله والبغدادي وما يمثله وهي نقطة يعتقد النظام بأنها لصالحه.
بالمقابل، لا يمكن لروسيا الاستمرار في لعبة الخداع والتضليل وبخاصة مع انطلاق عملية جنيف والاتفاق على إطار عام للحل. ويبدو أننا على وشك أن نصل إلى عتبة جديدة قد تكون نقطة تحول في مسيرة الحل السياسي يكون عنوانها تمكين الشعب السوري وترحيل بشار الأسد.
وحتى لو قبل الغرب ببقاء بشار في سياق محاربة تنظيم داعش فإن هذا “التحالف” سيكون تكتيكيا كما حدث مع أسامة بن لادن في أفغانستان، والغرب سيشعر بالاستحياء الشديد من كون حليفه شخصا بمواصفات بشار الأسد الذي يصوره الإعلام الغربي بأنه جزار. وأحسب أن التخلص من بشار سيبحث بشكل أكثر جدية في قادم الأيام. فنظام بشار لا يؤيده إلا التسلطيون ابتداء من حكام إيران وروسيا وميليشيات تعيث في الأرض فسادا ولا تقيم وزنا للقيم الإنسانية ولا غيرها.
أحسب أن استمرار الأزمة السورية بات أمرا مقلقا للجميع بمن فيهم أنصار بشار الأسد الإقليميين والدوليين، صحيح أن التدخل الروسي نجح في تغيير موازين القوى على الأرض لكن ليس هناك ما يمنع من قلب الطاولة مرة أخرى على الأسد وحلفائه، لذلك يجري البحث عن حل يحفظ مصالح الجميع لكنه حل لا يمكن أن يكون مقبولا وبشار ما زال على سدة الحكم!
المصدر : الشرق القطرية