مقالات

جهاد الزين – “الرقة” عاصمة العالم

السؤال المتكرر البسيط بعد تفجير مطار أتاتورك، مثله بعد تفجير أورلاندو ومطار بروكسيل ومقاهي باريس، هو ماذا ينتظر الرئيس رجب طيّب أردوغان، وسابقا الرئيس فرانسوا هولاند والرئيس باراك أوباما بعد كل مجزرة بهذا الوضوح الواضح:

ماذا ينتظر لـ “يركب” دبابة من دبابات الجيش التركي المتطورة ويهجم مع قواته باتجاه الرقة للقضاء على عاصمة داعش:

لا أحد يستطيع منعه أو منع هولاند أو طبعا أوباما تحت وطأة كل مجزرة من تلك التي يتواصل حصولها.

لا زلت عند رأيي بعد ظهور دولة داعش عام 2014 أن الجيش التركي يستطيع القضاء على داعش لو أراد في 24 ساعة.

لم يهجم فرانسوا هولاند ولا باراك أوباما رغم هول التوحّش الذي يجعل العالم اليوم عالماً “تحكمه” أو الأدق تحكم مزاجه عاصمةٌ واحدة هي مدينة الرقة.

لم يفعل هؤلاء القادة بعد هذه المجازر “أكثر” مما فعله، كلٌّ في نطاقه، رؤساء بلديات القاع في لبنان وأورلاندو وباريس الذين لديهم شرطة لا جيوش.

ما هي هذه الظاهرة أو الاختراع الذي يدعى داعش ويوحِّد العالم اليوم. بل يحكم العالم اليوم ويؤثّر مباشرة في أمزجة الناس وحيواتهم الشخصية والعامة وأنماطها بما يلغي فعلا الحدود السياسية؟

من يفسّر أن هذا الإرهاب الذي له عنوان رئيسي هو الرقة ويضرب دولاً في الحلف الأطلسي بينها زعيمة الحلف وتقع عاصمته على مسافة مائة كيلومتر عن حدود دولة عضو فيه هي تركيا. حلف لا يتحرك مباشرة للقضاء السهل جدا على هذه العاصمة النمرْ – ورقيّة التي تصدِّر إرهابا من المستحيل تلافيه الآن ولكن من الممكن القضاء على دولته؟

لماذا أعطت فرنسا نموذجا مختلفا من حيث التحرك المباشر إلى مالي وقضت على قاعدة الإرهاب في الشمال ولا تقوم هي أو غيرها كالولايات المتحدة وتركيا الضحية المتجددة أمس لهذا التوحّش بالأمر نفسه من حيث الهجوم الاستئصالي على كل دولة داعش وعاصمتها؟مع التذكير أن الولايات المتحدة نفسها قدّمت سابقاً النموذج الأكبر بعد أحداث 11 أيلول وذهبت إلى أفغانستان واستأصلت دولة “طالبان” وطردت “القاعدة”. هل كان الهجوم على الرقة والموصل سيكلّف أكثر من نتائج عملية إرهابية واحدة من تلك التي تقوم بها “داعش”؟

ما الذي يؤخر إذاً قرارا هجوميا من هذا النوع هو أقل بكثير من إمكانيات الحلف الأطلسي بل من إمكانيات دولةٍ من دولِهِ المشار إليها؟ هذا دون أن نحتسب إمكانيات روسيا.

الجواب غير موجود ولو أجبنا لدخلنا في نظرية المؤامرة في الحد الأقصى أو “لعبة الأمم” المعقّدة في الحد الأدنى.

لكن بالنتيجة علينا أن لا ننسى والعالم ينتقل بشكل شبه يوميٍّ من مجزرة إلى مجزرة عبر القارات.

الأزمة السورية بدت اعتبارا من عسكرتها وتدويلها في عامها الأول وكأن سوريا هي قلب العالم. لم نكن نقدّر أن ظاهرة اللجوء الكثيف من سوريا بصورة خاصة ستصدِّع الأمن الأوروبي وستطرح أزمة الهوية الأوروبية نفسها. حتى ليبدو الأمر منذ سنوات وكأن “ولاية سوريا” في الامبراطورية الرومانية هي التي انفجرت كما لا أكف عن التكرار.

اليوم صارت الرقة عاصمة العالم البشعة والمخيفة والفاعلة فوق الوطنيات والقارات. كأن دراكولا عالميا ينشر فئرانه القاتلة في كل العالم.

لكن تكرار السؤال عن أسباب تأخير قرار الاستئصال السهل لدولة داعش والأقل من استراتيجي عسكريا بقدر ما يمكن أن يعكس “سذاجة” سياسية بقدر ما يحمل وجهه الآخر إدانة عن تقاعس صار غير مفهوم.

ثم ما هذا الربط الممجوج بين مصير النظام السوري والتحرك للانتهاء من داعش؟ ففي أي سيناريو ما الذي يمنع متابعة طرح مصير هذا النظام بعد استئصال داعش؟ إلا لدى الذين يفضلون بقاء داعش على بقاء النظام المطروح مستقبله أصلا ضمن أي بحث عن صيغة سورية مستقبلية؟

رحم الله أيضا الضحايا الآتين في أي مكان… طالما قرار الاستئصال يتأخّر.

المصدر : النهار 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى