قريبا من نوبات الغضب التي تنتاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ما يخص السياسة الحمائية للدول الحليفة في الشرق الأوسط وأوروبا، وادعائه بأن الولايات المتحدة أنفقت ستة تريليونات من الدولارات لحماية دول الخليج، وأفكاره حول تسديد فاتورة جيش الحماية الأمريكي لبلادنا، فإن هناك من لا يزال ينتابه الغضب عندما يأتي الحديث عن محاكمة الحقبة الماضية منذ بداية عصر الانحطاط السياسي العربي، فإذا كان ترامب يريد حصاد السياسة الأمريكية في عالمنا بلغة المال، فليكن، ولكن هناك ما هو أغلى وأخطر من المال، إذ أنتجت سياسة أسلافه من الجمهوريين، وعلى رأسهم جورج دبليو بوش، أنتجت عصر الدمار العام والطام لبلاد العرب ومستقبل أجيالها.
إن سياسة الحلف الحربي الذي أسسه بوش الابن بمشاركة وتخطيط ودعم من رئيس الحكومة البريطانية الأسبق توني بلير وتم تخصيصه لاستهداف هيكل الدول العربية وأولاها العراق، قد أتت أكلها بطريقة بشعة وكارثية على الشرق الأوسط برمته، وغيرت وجه ومعالم وأسس السياسة والاقتصاد والمجتمع في العالم العربي، فتدمير الدولة العراقية وحلّ جيشها، والتحريض والتخويف للدول الخليجية ومنها، جعل الهدف الأول لدولنا هو تخصيص ميزانيات دفاع هائلة جدا، وهذا ما أهمل سياسة التنمية في غالبية الدول، وباستثناء قطر والإمارات العربية بشكل أقل، فإن الاستثمارات وبيئة الأعمال وخطط التنمية للمجتمع قد تم تجميدها في دولنا كافة، ولم يعد لأي دولة القدرة في فتح أسواق منافسة صناعيا وتجاريا.
توني بلير الذي كان قد ودعّ عالم السياسة يعود من جديد للدخول من باب آخر وهو العمل على تشكيل حركة سياسية يعيد من خلالها لعب الأدوار العالمية من جديد،خصوصا في ظل هذا التسونامي السياسي والأمني الذي ضرب الشرق الأوسط، واقتراب موعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وكما تعلمنا من دروس الماضي، فإن لكل زعيم غربي دورا محددا يقوم به لخدمة المصالح الغربية، ولكن يبدو أن بلير يريد العودة كلاعب رئيس وأحد أهم أعضاء الحكومة العالمية التي تحب السيطرة، فالكاريزما التي يمتلكها الرئيس ترامب يبدو أنها استثارت بلير للعودة إلى ميدان التخطيط والتدمير الذاتي من جديد، خصوصا أنه لا أحد في عالمنا العربي يطالب بمحاسبته عن دوره في تحريض بوش ومشاركته في حرب العراق.
توني بلير وجورج بوش، هما ورثة العائلتين الحاكمتين في لندن وواشنطن زمن مارجريت تاتشر وبوش الأب اللذين قادا الحرب الأولى وضخما صدام حسين ليصاب بجنون العظمة، ومع أن الكثير من الحركات السياسية والفعاليات الشعبية اعترضت ونددت بسياسية بلير وبوش وتظاهرت ضد غزو العراق، فإن بلير كان مصراً على دفع بوش للحرب، وبعد أن خرج من الحكومة أعلن أن غزو العراق كان خطأ فادحا وأن العراق بات أخطر مما سبق، والشرق الأوسط لم يعد المكان الآمن كما كان سابقا، ومع هذا لم ينبس أي عربي ببنت شفة.
اليوم في ظل جردة الحساب الأمريكية على طاولة الدول العربية، يجب رفع لافتة كبيرة، تذكر بمحاكمة بوش وبلير عما ارتكباه، وإفهام الرئيس ترامب أن كل حروبك كانت ممولة من العلاقات الاقتصادية للدول العربية ونفط العرب،ومع هذا لم تحاسبوا إسرائيل على مئات المليارات المجانية التي تقدمونها لها، فلماذا يدفع العرب فاتورتي موت وخراب ديار؟!
المصدر : الشرق القطرية