ثمة، اليوم، حاجة قوية لدى الحركة الوطنية السورية إلى ثلاثة مواقف متكاملة، هي: موقف موحّد داخل الائتلاف، يتجاوز خلافاته وتكتلاته وصراعاته العبثية التي لم تخدم أحداً، حتى الآن، غير النظام والفوضى، وأحدثت بلبلة صارت جوهر السياسات المعتمدة في العلاقات بين مكوّنات المعارضة والمقاومة، وداخل كل طرف منهما.
لبلوغ هذا الموقف، من الضروري إخراج الائتلاف من النمط التنظيمي الذي أعطي له منذ تأسيسه، ونمط الممارسات والسياسات الجزئية والمحتجزة الذي ترتب عليه، وبلورة صيغ مختلفة، تضبط عمله ضمن استراتيجية عمل وطني، تغطي مختلف الفاعلين في الساحة السورية، معارضة ونظاماً. موقف عربي لا تمليه استراتيجية أميركا الشرق أوسطية، بتصفية حساباتها مع إيران وروسيا، وطرقها في إدارة أزمة سورية، وما رسمته لها من خطوط حمراء. إذا لم يبتعد الموقف العربي عامة، والخليجي خاصة، عن سياسات واشنطن، فإنه سيبقى موقفاً ضعيفاً تجاه سورية، وسيتذبذب بين الرغبة في المساعدة والعجز عن تخطي احتجازات أميركا التي تفرض قيوداً متنوعة عليه. يصارع الخليج إيران في سورية بالواسطة، فهل يمكن أن يكسب معركته ضدها عبر سياسات تقيّد دعم حلفائه السوريين، علماً أن سياسات إيرانية تدعم نظام الأسد من دون حدود، وتخوض صراعاً مباشراً ضد الشعب السوري، بواسطة مرتزقتها وأموالها وقدراتها التقنية والسلاحية وقيادتها السياسية، وحضورها الكثيف في جميع مرافق نظام الأسد ومؤسساته؟ وهل يمكن لسياسة لا تستطيع اتخاذ قراراتٍ تعبّر عن مصالحها وأمنها، إنزال الهزيمة بسياسة حربية معلنة على رؤوس الأشهاد، تعتمدها إيران ضد الجهة التي تقاتل النظام السوري، وضد دول الخليج، تحرّض، بطابعها المعلن، أعداء هذه الدول الداخليين والخارجيين، وتشجعهم على تحدي استقرارها؟ هناك اليوم ما يجب أن يدفع الخليج إلى إجراء انفكاك جزئي عن السياسات والخطوط الحمراء الأميركية، منها أولوية مصالح البيت الأبيض مع إيران على أية مصالح خليجية، وأولوية المصالحة معها على علاقاته التاريخية مع العرب، ومنها الابتعاد النسبي لدول عربية وإقليمية مهمة عن أميركا، كتركيا ومصر، وأولوية الحرب الأميركية ضد الإرهاب على الحل السياسي في سورية، وانعكاسات هذا الخيار الجديد والخطير على الأرض، وما أحدثه من اقتراب عملي بين النظام وأميركا، وفتحه بالحرب على الإرهاب من أبواب على علاقات جديدة بين البلدين، بينها عودة قنصل أميركي خلال فترة قريبة إلى دمشق، وما رشح عن تعاون استخباري بين الجانبين، إلى جانب إهمال الجيش الحر وتجاهل دوره الناجح في مقاتلة “داعش”، والانخراط، في المقابل، في التغني ببطولات القوى الكردية المسلحة، وأدوارها في هذه الحرب. قيام تنسيق وتعاون بين الدول التي تربط دورها في الحرب ضد الإرهاب بالحل في سورية، كفرنسا والمملكة العربية السعودية وتركيا وقطر والأردن ومصر، وتأسيس تحالف في ما بينها ومع الائتلاف والجيش الحر، للحد من انفراد واشنطن بسورية والمنطقة، وتوضيح موقفها من الحل السياسي الذي تكاد تتركه لأعداء الثورة في إيران وروسيا، ويبدو مشروع دي ميستورا حول تجميد القتال في حلب، وكأنه مستوحى منها، أو غير بعيد عنها. تتحدى قضيتنا، اليوم، قدرتنا على التفعيل الناجح والمؤثر للنقطتين الثانية والثالثة، من خلال توحيد أنفسنا، وجعل الآخرين يرون فينا شريكاً لهم وبديلاً للنظام، وإلا فجهة يستحيل تحقيق أي شيء يجافي مصلحتها وإرادتها. بغير ذلك، سنكون كمَن يضيع وقته في نفخ قربة مليئة بالثقوب، وسنخرج، ونحن مقطوعو الأنفاس، من معادلات الحرب والسلم!
العربي الجديد _ وطن اف ام