أيام قليلة ويغلق عام 2014 أبوابه، مفسحا المجال لبداية عام جديد في محتوياته وملامحه وتطوراته، وتمثل القضية السورية واحدة من أبرز القضايا في العام الجديد على نحو ما كانته في الأعوام الأربعة الماضية، وما تركته فيها من هزات وتطورات سياسية وأمنية، واقتصادية واجتماعية، وثقافية وإنسانية، أصابت بلدانا كثيرة بينها روسيا وإيران، وقد كانتا طوال الأربع سنوات حاضرتين في القضية السورية عبر وقوفهما الحاسم إلى جانب نظام الأسد في حربه الشاملة ضد السوريين وكل من وقف معهم، أو آزر قضيتهم بأي مجال أو مستوى كان.
لقد تكفلت إيران وروسيا دعم نظام الأسد ومناصرته، بتقديم كل الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري والأمني والبشري، وتعاونتا معه في المستويين الداخلي والخارجي، طوال نحو 4 سنوات. فقدمت إيران دعما سياسيا واقتصاديا غير محدود، وكذلك فعلت في المجال العسكري فدفعت وحدات من الحرس الثوري الإيراني للقتال إلى جانب النظام، وأرسلت له الخبراء الأمنيين والعسكريين والتقنيين، ثم وجهت ودفعت ميليشيات حليفة لها من لبنان والعراق للقتال إلى جانب قواته، وجندت استخباراتها مجموعات من أماكن متعددة وأرسلتها إلى سوريا، فيما كانت تعزز مساعي التشيع في أوساط السوريين لتعزيز قاعدة اجتماعية للنظام ولها في آن معا.
ولم يكن مسار روسيا في الموقف من نظام الأسد مختلفا في جوهره عن الموقف الإيراني من حيث الدعم والمساندة، وإن كانت هناك بعض الفروق، فلم تتعد الجوهر، فاختلفت في بعض التفاصيل الناجمة عن خصوصيات ودور كل منهما، كما في الدور الروسي على صعيد السياسة الدولية، حيث منَعت روسيا عبر الفيتو المجتمع الدولي من اتخاذ قرارات تدين نظام الأسد، وأعاقت كل ما يمكن من إجراءات عقابية تصيبه بسبب ما ارتكبه من جرائم، بل عملت كل الوقت على إعادة تسويقه دوليا وإعادته إلى حظيرة السياسة الدولية بما في ذلك تسويقه في قضية عالمية مثل مكافحة الإرهاب، وقدمت روسيا الأسلحة والخبراء للنظام، وسهلت استخباراتها ذهاب متطرفين من دول الاتحاد الروسي إلى سوريا للقتال في صفوف أبناء وأخوات تنظيم القاعدة.
الدور الإيراني – الروسي واصطفافاته في القضية السورية ومع نهاية عام 2014، صار في محل الامتحان، أمام الاستمرار أو التغيير، ليس لانقلاب في استراتيجية البلدين، وهو أمر غير وارد في حسابات قيادتهما، كما ثبت في السنوات الماضية، إنما بسبب متغيرات سياسية واقتصادية واجتماعية، تضع قيادة البلدين أمام ضرورات التغيير العميق في الموقف من قضية باتت مؤشرات خسارتهما فيها أكثر وضوحا من أي وقت مضى، إذ من الصعب على أي منهما، المضي على المسار ذاته في دعم ومساندة نظام الأسد على نحو ما كان في الماضي.
وإذا كانت إيران تواجه وضعا سياسيا إقليميا ودوليا صعبا، سواء لجهة ملفها النووي أو سياستها الإقليمية وخصوصا في الخليج والعراق وسوريا ولبنان، فإن روسيا هي الأخرى، تواجه أوضاعا صعبة هي الأخرى وخاصة في سوريا وأوكرانيا، وقد استدعى الموقف الروسي في الأخيرة عقوبات دولية، ينتظر أن تتواصل، على نحو ما كانت عليه العقوبات الدولية ضد إيران بسبب ملفها النووي.
والوضع الاقتصادي في البلدين، ليس أحسن حالا من وضعهما في السياسة الخارجية، وسوء الوضع الاقتصادي، لا يتصل فقط بسبب انخفاض سعر النفط وكلاهما من أكبر منتجي النفط في العالم، مما أدى إلى انخفاض هائل في حجم مواردهما المالية، نتيجة مساهمة النفط بأكثر من 50 في المائة من ميزانية البلدين، إنما أيضا بسبب انخفاض قيمة العملة في البلدين، إذ أصيب الروبل الروسي والريال الإيراني بانخفاضات كبيرة ولا سيما أخيرا، وكله مقرون بمصاعب اقتصادية تتعلق ببنية الاقتصاد فيهما، وعجزها عن الخروج من مأزق سياسات، تم اللجوء إليها على مدار العقدين الأخيرين، وتركت آثارا اجتماعية، صار من الصعب مواجهتها بالأساليب ذاتها التي كانت متبعة.
خلاصة الأمر، أن التدهور المشترك في السياسات الخارجية والداخلية لطهران وموسكو، مع تراجع أسعار النفط، وتأثيره المرتقب في انخفاض ميزانية البلدين، وتدهور قيمة عملتها، وما يخلفه ذلك على الوقع الاجتماعي في البلدين – سيترك ظلاله على واحد من أهم ملفات سياستهما الخارجية، وهو القضية السورية، التي شكلت ومتعلقاتها في السنوات الأربع الماضية، إحدى بؤر الاستنزاف السياسي والاقتصادي للبلدين ولو بفوارق بين الحالتين.
الأسئلة التي يطرحها الواقع الإيراني أولا والروسي ثانيا كثيرة، لعل الأهم فيها يكمن في القول، إلى أي مدى سيكون أثر العصف الذي يضربهما على موقفهما من نظام الأسد؟ هل تستمر طهران وموسكو في موقفهما الداعم له وحمايته من السقوط، ومناوراتهما من أجل إعادته إلى المجتمع الدولي بعد كل ما قام به من جرائم وارتكابات؟ أم يفهم من تصريحات إيرانية وروسية أخيرة، أنهما غير متمسكتين بالأسد، أنها تشكل بداية تغيير لموقف البلدين من الأسد ومستقبل سوريا؟ وهل ذلك ما يمكن أن نشهده في خلال عام 2015 أو في الأشهر القليلة المقبلة منه؟
الشرق الأوسط الدولية _ وطن اف ام