مقالات

رأي القدس : حزب الله وقسوة الاختبار الإسرائيلي

تمثل الغارة الاسرائيلية غير المسبوقة التي استهدفت عددا من كوادر حزب الله قرب مدينة القنيطرة السورية امس الاول اختبارا قاسيا لقدرة حزب الله ومصداقيته. ليس فقط بسبب وجود جهاد نجل القيادي الراحل عماد مغنية الى جانب قيادات عسكرية مهمة بين القتلى، بل لمعطيات تتعلق بتوقيتها وموقعها ايضا.

اذ جاءت بعد ايام قليلة من التصريحات التلفزيونية التي أدلى بها الأمين العام السيد حسن نصر الله، ونفى فيها اي تواجد عملياتي او عسكري للحزب في الجولان السوري المحتل، مؤكدا ان «الدعم للمقاومة هناك سياسي فقط»، الى جانب تعهده الواضح بالرد على أي هجوم إسرائيلي يتعرض له الحزب داخل سوريا.
ومن الواضح أن إسرائيل نجحت في احراج السيد نصر الله والتشكيك في كامل الصورة التي رسمها، دون تحد يذكر من محاوره، بدءا من القدرات العسكرية للحزب، وخاصة تلك المتعلقة بـ»السيطرة على الجليل، وما وراء الجليل»، خاصة في ظل وجود قوات الحزب في سوريا ما قد يعيقه عن فتح جبهة جديدة مع اسرائيل ومرورا بأن اسرائيل لن تخاطر بأي عمل قد يشعل حربا جديدة، وانتهاء بامتلاك الصاروخ (الفاتح 110) القادر على ضرب كافة المدن الاسرائيلية. كما نجحت الغارة في افساد ما بدا وكأنه «مزاج احتفالي» صاغ تصوير السيد للوضع داخل سوريا من حيث قدرة النظام على الصمود، وفقدان تنظيم «الدولة الاسلامية» القدرة على تغيير المعادلات، وهو ما كان يستوجب سؤالا بديهيا، لم يوجه اليه، عن اسباب بقاء قوات الحزب في سوريا، ان كان الواقع مطمئنا الى الدرجة التي تحدث عنها.
ومن البديهي أن إسرائيل كانت خططت لهذه الغارة وأعدت لها على مدى زمني طويل، الا أنها اختارت التوقيت الذي جعل مردودها في حده الاقصى، من الناحيتين المعنوية والاعلامية. وهذه اعتبارات اصبحت لا تقل، ان لم تكن تفوق احيانا، الاعتبارات العسكرية والعملياتية.
وبالرغم من الضغوط الإعلامية والإخلاقية التي يتعرض لها الحزب حاليا للقيام برد سريع على الغارة الإسرائيلية، والتي تتبدى بوضوح فيما يشبه «حالة الهلع» التي تسود أوساطه الاعلامية بشكل خاص، وهي تردد بعض ما قالته بعض وسائل الاعلام من أن «السؤال ليس ان كان الحزب سيرد لكن متى؟»، يجمع الخبراء على أن السؤال الأهم ليس ان كان الحزب سيرد او متى، بل كيف ستكون طبيعة الرد وما معطياته؟ ويستبعدون أن يأتي الرد في شكل دراماتيكي يؤدي الى اشعال حرب، ويرجحون ان يقتصر على هجوم بعبوة ناسفة ضد احدى الدوريات الاسرائيلية في مزارع شبعا كالذي حدث في شهر تشرين الأول/ اكتوبر الماضي.
الا أن هذا لا ينفي احتمال حدوث مفاجأة، اذ ان اسرائيل، وحسب تقارير اعلامية مقربة للحزب، قامت بنشر الرادار «رون ادير» المرتبط بالاقمار الصناعية، والمخصص لاعتراض الصواريخ البعيدة المدى على حدودها الشمالية، تحسبا لاطلاق الحزب صواريخ الفاتح، وهو ما يبقى مستبعدا.
ويمتلك حزب الله بلا شك خبرة واسعة في ادارة الحرب النفسية، ما يجعله قادرا على توظيف اعلامي لـ «اجواء المواجهة» كجزء من الرد، وربما بديل منه في هذه الأيام الصعبة، الا أن هذا لن يكون كافيا لاخراجه من المأزق.
وعلى عكس ما قاله السيد نصرالله من أن الحروب لا تنفع الساسة الاسرائيليين في الحسابات الانتخابية، يبدو ان بنيامين نتنياهو ربما يسعى لتعويض فشله في غزة بتسجيل نقاط سهلة ضد حزب الله في سوريا، خاصة انه يحتاج الى دعم شعبيته في مواجهة تقدم المعسكر الصهيوني بزعامة هيرتسوغ وليفني في استطلاعات الرأي.
والى جانب انشغال حزب الله في الحرب السورية، فان الحسابات الداخلية في لبنان لا تسمح له برفاهية اغراق البلاد في حرب جديدة، مع تصاعد هشاشة الأوضاع الأمنية، واستمرار التعقيد الذي يحكم المشهد السياسي رغم استئناف الحوار بين بعض أطراف الأزمة.
وباستثناء، مفاجأة حقيقية تقلب الموازين، فان حزب الله يبدو مضطرا لأن يدفع فاتورة طموحاته او ارتباطاته الاقليمية والمذهبية. اما ايران التي أودت الغارة باحد جنرالاتها ايضا، فليست مستعدة لاغضاب الولايات المتحدة وأوروبا بينما تقترب المفاوضات النووية من «النهاية السعيدة» التي عملت طويلا على انجازها، ما قد يرجح ان تكتفي بصمت رهيب.

القدس العربي _ وطن اف ام 

زر الذهاب إلى الأعلى