ثمّة من يريد الذهاب بحادثة مقتل مجموعة قياديين من حزب الله في القنيطرة إلى اتجاه تأكيد وجود مشروع مقاومة في الجولان، واعتبار هذا الأمر مسلّمة بديهيّة، وأنّ هذه المجموعة التي استهدفت كانت في طريقها إلى وضع الترتيبات النهائية، أو ربما حتى الاحتفال بإطلاق الصاروخ الأول، بما يشبه عملية التدشين لهذه الجبهة، عبر الإعلان عن فتح فرع جديد للمقاومة في الجولان، بعد النجاح الكبير لفرعها الأول في جنوب لبنان، ونزولاً عند الطلب الشديد من الجمهور السوري لهذا المنتج!
حسناً، سوف نصدق ذلك. لكن، بعد أن يفسر أحد لنا، لماذا يغضب حزب الله، وتغضب إيران من إسرائيل، وتتوعدانها بالويل والثبور، ما دامت هذه المجموعة ذاهبة لاستهدافها، خصوصاً أن المنطقة المحاذية، والتي كانت ستكون في عين الاستهداف هي مستوطنات الجولان؟ هل كان على إسرائيل أن تدع المجموعة تنفذ عمليتها، لكي لا تقع في محظور خرق قواعد الاشتباك والعبث بها! ثم لماذا ذهبت إسرائيل إلى التلميح إلى أسفها (من خلال واحد من كبار معلقيها العسكريين أليكس فيشمان)، لأنها لم تكن تعرف أهمية الأشخاص في الموكب!، ترى ماذا تفرق نوعيتهم ما داموا كلّهم أعضاء في الإطار العسكري لحزب الله، أو تابعين للحرس الثوري الإيراني؟
إذا لم تكن هناك إجابات واضحة حول هذه الأسئلة وغيرها التي تحيط بالحادثة، فإن التفسير البديل والمنطقي يصبح أن هناك عملية تنسيق، مباشر أو عبر طرف ثالث، بخصوص عمل المجموعة، وأن سبب هذا الغضب والوعيد والتلميح بالاعتذار هو إخلال إسرائيل بهذا التنسيق، وليس بقواعد الاشتباك، لأن حزب الله لم يكن ذاهباً لتعزيز قواعد الاشتباك وتحسين التفاهمات، حسب رواية الإعلام القريب من الحزب، ما يعني أن خللاً حصل لدى مستويات معينّة، إما ليست على علم بالتنسيق، وبالتالي، لم يجر تعديل إعدادات نظام الإنذار للتعامل مع هذه الحالة، أو لأنها ليست راضية عنه، وأرادت إطاحته.
ثمّة معطيات عدة تعزز هذه الفرضية، هي أن الموكب كان يسير بدون تمويه، وضمن منطقة تقع في إطار الحرم الأمني الإسرائيلي بكل أريحية، وبطريقة لا يمكن حصولها حتى في جنوب لبنان، وضمن بيئة الحزب!، كما إنها منطقة مخترقة أمنيّاً، بحكم انكشافها على مساحة واسعة، تمتد من العرقوب إلى حضر وجباثا الخشب، ولا يمكن المغامرة فيها، خصوصاً بعد تعزيز إسرائيل أجهزة الإنذار، وحالة الاستنفار الدائمة في المنطقة، جراء الفوضى الحاصلة في الشريط الحدودي السوري المقابل. إضافة إلى ذلك، تملك المنطقة خط إمداد من دمشق إلى السفوح الشرقية في جبل الشيخ، عبر أوتستراد السلام، ويتصل مع البقاع اللبناني عند نقطة العرقوب، ومن غير المنطقي أن إسرائيل التي ضربت مواقع في الديماس ومطار دمشق الدولي، لاشتباهها بتخزين أسلحة لحزب الله فيها أن تغفل عن طريق الإمداد الذي يقع في خاصرة الجولان، أو لن تتحسس تجاه قوافل حزب الله هناك، فهل كان مكتوباً على العربات التي ضربتها، أكثر من مرة، بين سورية ولبنان، حاملات صواريخ، وعلى قافلة القتلى المستهدفين بالغارة عربات لنقل الخضار!
وبالعودة إلى فرع المقاومة المراد افتتاحه في الجولان، ثمّة معطيات بشرية وتقنية، تؤكد استحالة حصول هذا الأمر، لا اليوم ولا حتى في المستقبل البعيد، ذلك أن هذا المشروع يتطلب وجود بيئة حاضنة، وكوادر كافية وخطوط إمداد وبناء شبكة وأنساق دفاعية ومساحة خلفية، كعمق استراتيجي وتغذية دائمة لجبهة المقاومة. وهذه الظروف يستحيل توافرها ضمن المعطيات الحالية، على اعتبار أن غالبية سكان المنطقة من المعادين لحزب الله والثائرين على نظام الأسد، ولا يمكن الحديث عن جلب رجال مقاومة من المناطق المؤيدة لنظام الأسد الذين لا يستطيعون تغطية الجبهات الضرورية، كما أنه من غير المنطقي استيراد مقاتلين من الخارج، وزرعهم في المنطقة، ليقعوا بين نار عدائهم للسكان المحليين ونار صراعهم مع إسرائيل، هذه ليست شروط مقاومة.
وإذا كان المقصود ببيئة المقاومة مجموعة القرى الدرزية في السفح الشرقي لجبل الشيخ، فتلك لا تتعدى ست قرى، ولا يتجاوز سكانها ثلاثين ألفاً، وقد أنهكها نظام الأسد بتوريطها في القتال ضد الثوار، وانكفأ مقاتلوها، أخيراً، إلى داخل أحيائهم بعد تكبدهم خسائر كبيرة، إثر معركة بيت جن.
إضافة إلى ما سبق، يقف العامل الاستراتيجي عائقاً في وجه تمرير هذه الخرافة وتصديق سرديتها، ذلك أن جهود حزب الله وطاقاته صارت منخرطة كليّاً في ثنايا المشروع الإيراني الذي لا علاقة له بإسرائيل، بل ويتحاشاها كليّاً، حسب الترتيب الجديد لأولوياته، وخصوصاً تحسين علاقاته مع الغرب، وأميركا تحديداً، ونظراً إلى التهديدات الهائلة التي يواجهها في سورية والعراق. ونتيجة ذلك التوجه، لم يعد خافياً أن حزب الله فكك جزءاً كبيراً من بنيته للحرب مع إسرائيل، وقام ببنائها في سورية والعراق وحتى اليمن، ولم يبق سوى على خطوط رمزية له في جنوب لبنان، فمن أين له فائض القوة لفتح فرع جديد في الجولان، وهو بات يشكو من كثرة خسائره وضعضعة بنيته وهيكليته؟
لا تعدو القضية أن تكون سوى محاولة للالتفاف على الثورة السورية، من جبهة القنيطرة، فالضابط الإيراني الذي قتل في الغارة هو المسؤول عن حماية دمشق من خلال الدفاعات التي أقامها، وهو هناك في القنيطرة، بهدف استنساخ تجربة دمشق لمحاصرة الثوار وتشتيتهم، وهو أمر لا تعارضه إسرائيل، وربما فهم حزب الله أنها تسمح بحصوله، وبالتالي هنا يكمن سر غضبه، أنّه تعرض لخديعة، هي محاولة لخلط الأوراق وتحطيم الثورة السورية، هذا هو العنوان الأهم لنشاط إيران، وما يلي روافد تصب في هذا السياق، غير ذلك مجرد أساطير وادعاءات، ذلك أن مقاومة إسرائيل لا تحتاج فتح فروع جديدة للمقاومة، إلا إذا كان لتحرير القدس من الجولان نكهة مختلفة.
العربي الجديد – وطن اف ام
غازي دحمان
مواليد 1965 درعا. كتب في عدة صحف عربية. نشر دراسات في مجلة شؤون عربية، وله كتابان: القدس في القرارات الدولية، و”العلاقات العربية – الإفريقية”.