انتهت مجموعة من المعارضين السوريين في ختام لقاء تشاوري استضافته القاهرة إلى الاتفاق على رؤية وخارطة طريق مشتركة لأي حل سياسي محتمل، وأصدروا ما سمي ببيان القاهرة، الذي حدد موقفهم من أي مفاوضات أو مبادرات مستقبلية.
تضمن بيان القاهرة عشر نقاط، الأربع الأولى تتعلق بهدف أي تفاوض (الانتقال إلى نظام ديمقراطي، ودولة مدنية ذات سيادة)، والتي تليها تتعلق بإجراءات ضرورية قبل أي مفاوضات (غطاء دولي واحتضان شعبي وضمانات دولية والإفراج عن المعتقلين ووقف قصف المدنيين ووصول الإغاثة)، فيما تشير النقاط الأخيرة إلى (التوافق على هيئة حكم انتقالية على قاعدة بيان جنيف).
أهم ما في البيان هو القول بضرورة حصر حمل السلاح بالدولة، الأمر الذي يتطلب قبل ذلك إعادة هيكلة المؤسسات العسكرية والأمنية ودمج القوى العسكرية المعارضة فيها، وكذلك إنهاء مختلف أشكال الوجود العسكري غير السوري، والتأكيد على أن التغيير الديمقراطي الجذري طريق وحيد لمحاربة التنظيمات الإرهابية، ما يعني أن تغيير نظام الحكم يسبق محاربة الإرهاب، وهي النقطة التي يُصرّ النظام السوري على عكسها.
هذه النقاط العشر، قد تُلبي طموح بعض قوى المعارضة السورية، إلا أنها لا تُلبي طموح آخرين، خاصة أولئك الأكثر تضرراً من النظام، والأكثر تمسكاً بمعاقبته على جرائمه، والمؤمنين بالحل العسكري، وفور انتهاء الاجتماع بدأ السجال، بين مبارك ومنتقد ومخون.
بعض قوى المعارضة شرّحت النقاط العشر وأشبعتها نقدا وحاسبت على الكلمة، وبعضها انتقدها بموضوعية ليس بغرض التصيّد والتقاط الأخطاء، وبعضها الآخر هاجمها وخوّن من أصدروها، فيما حظيت، أيضا، بالثناء من بعض القوى المعارضة لأنها فهمت منها أنها تطالب بتشكيل هيئة انتقالية وتطرح حلا سياسيا لا مكان فيه لبشار الأسد ونظامه.
من ناحية المضمون، تمحورت أهم الانتقادات – البناءة – لبيان القاهرة حول ثلاث نقاط، الأولى، أنه نص على إنشاء (هيئة حكم انتقالية مشتركة كاملة الصلاحيات)، بينما بيان جنيف يقول بـ(هيئة حكم انتقالية تمارس كامل السلطات التنفيذية)، واستند أصحاب هذا الانتقاد إلى وجهة نظر قانونية تشير إلى أن الأخيرة تشمل سلطات رئيس الجمهورية وغيرها من السلطات، بينما الأولى فلا.
النقطة الثانية، خلو البيان تماماً من أي إشارة لمسؤولية النظام عن القتل والتشريد والتدمير والاعتقال والتعذيب، وعدم ذكر العدالة الانتقالية وضرورة معاقبة ومحاكمة القتلة من النظام ومن غيره طبعاً، واعتبر البعض أن البيان يُسجّل الجرائم ضد مجهول.
أما النقطة الأخيرة، فهي عدم ذكر كلمة ثورة والاكتفاء بتوصيف ما يجري في سوريا بأنه نزاع، وتغييب المعارضة السورية المسلحة وعدم إشراكها، خاصة أنها الطرف الذي من المفترض أنه يقبل ببنود البيان ويضمن تطبيقها.
لا يتّسع المجال لذكر كل الانتقادات التي وجّهت لبيان القاهرة، وكذلك لا يمكن الإلمام بكل الآراء الإيجابية عنه، فقد صدرت خلال يومين عشرات الآراء المختلفة والمتناقضة، ونُشرت دزينات من المقالات المؤيدة والرافضة، لكن يمكن التوقف عند ثلاثة أمور هامة لا علاقة لهما بنص البيان، وإنما بالمبدأ.
الأمر الأول أن بيان القاهرة، حاله كحال بيان جنيف ومؤتمر جنيف، وقبلهما مبادرة ستافان دي ميستورا، وقبلها أيضا إعلان القاهرة وخطة كوفي عنان والمبادرة العربية وغيرها، كلها تفتقد لآليات تنفيذية واضحة وصريحة وجدول زمني تفصيلي، ويمكن أن تخضع للتفسير والتأويل والاجتهاد، أي تترك المجال للشيطان ليختبئ بين التفاصيل.
الثاني أن الخطة، وأيضا حالها كحال كل ما سبقها من مبادرات وخطط، تفتقد لضمانة ملزمة للجميع، ولم تقترح أي ضمانة حاسمة تعاقب المتخلف أو المنسحب، بل تركت الأمر لعطف المجتمع الدولي (القاهرة)، أو اقترحت الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة الذي يحيل الخلافات للجان تحكيم يعرف معناها العالم الثالث (بيان جنيف)، أو اقترحت حل المشاكل بالتراضي (خطة دي ميستورا)، أو تركتها لـ“تبويس” الشوارب (وفق ما تريد موسكو).
الأمر الأخير، يتعلق بغض غالبية المبادرات والخطط الطرف عن العدالة الانتقالية، واكتفاءها أحيانا بالإشارة إليها باستحياء، أو تدرجه كبند متأخر قد يأتي وقته وقد لا يأتي، وهذا الأمر في الحقيقة يشكّل نقطة ضعف كبيرة إن لم تكن قاتلة لأي خطة، فأحداث التاريخ تؤكد أنّ من لا تحصل له الجماعة على حقّه سيقوم بتحصيل حقّه بيده، وعليه ستستمر عمليات الثأر لعقود طويلة.
بكل الأحوال، النتائج الحقيقية لبيان القاهرة لن تظهر مباشرة، وإنما تعتمد على مواقف كل القوى السورية المعارضة، حيث ستقوم لجنة بالاتصال بأطراف المعارضة السورية الكبرى والصغرى للحصول على موافقتها على هذه الرؤية الموحّدة، وقد يتم تعديله أو إضافة بنود توضيحية له وفق رأي الأغلبية، ليصار إلى اعتماده كوثيقة نهائية للمعارضة السورية لأي حل سياسي مقبل، فإن نجحت هذه اللجنة في إقناع الجميع نجح بيان القاهرة وإن فشلت فَشِل.. وليس آت ببعيد.
العرب اللندنية _ وطن اف ام