أربع سنوات مرّت على ثورة 25 يناير، لم يتحقق شيء. بالتالي، لم تنته الثورة. كل مَن يظنّ أنه يمكن الالتفاف على الثورة، أو تجاوز مطالبها، سيفاجأ بأنه لحق بسابقيه. ليس تكهناً هذا، ولا توهّم أمل، بل نتاج واقع تمثّل في شعب نهض لتحقيق مطالبه.
لا يتمرّد الشعب إلا لـ”الشديد القوي”، حيث يصل إلى وضع لا يستطيع العيش فيه. وهذا يتوضح بالأرقام، حين تناول البطالة والأجور، وانهيار التعليم والصحة والبنية التحتية، والحاجة إلى السكن. لا يمتلك الشعب “هواية” التمرّد، لأنه يريد العيش بعيداً عن غول السلطة. لكن، يحدث التمرّد حين يصل إلى حالة لا يستطيع فيها العيش. هذا ببساطة سبب الثورات، كل الثورات في العالم (ربما عدا ما حدث في البلدان الاشتراكية).
حين تجمعت الملايين، بعد كسر حاجز الخوف في 25 يناير، أرادت تغيير واقعٍ عبّرت عنه في أشكال من الإضراب أو الاعتصام أمام مجلس الشعب، أو قطع الطرق، أو في البيانات والمطالبات المستمرة، شمل تقريباً معظم قطاعات الشعب المصري، بدءاً من سنة 2006. والمطالب محدَّدة ومفصّلة. وكان شعار “الشعب يريد إسقاط النظام” الخلاصة التي توضّح أن تحقيق تلك المطالب يفرض إسقاط النظام، وليس تغيير أفراد، أو ترقيع قضايا. فالنظام الذي فرض البطالة العالية، والأجر المتدني، والتهميش، وانهيار التعليم والصحة، هو الذي يجب أن يزول. وهنا، أولاً، النظام الاقتصادي. وبالتالي، الطبقة التي صنعته، والتي قامت على النهب والسمسرة وسرقة أموال الشعب، وتسهيل نهب الرأسمال الخارجي، والشراكة معه في النهب. وبالتالي، مركزت الثروة بيد أقليةٍ باتت تعيش في “عالم سحري”، بينما يعيش الشعب في واقع مزرٍ.
لهذا، كان يجب أن تتحقق المطالب مباشرة، لكي يستكين الشعب، ويعود إلى “حياته الطبيعية”. لم يكن ممكناً التأجيل، أو الانتظار. بالضبط، لأن التمرّد كان قمة حالة الاحتقان التي كبتها الشعب طويلاً. بالتالي، لا وقت للانتظار. هذا ما أسقط محمد مرسي وتجربة الإخوان المسلمين، وهذا ما سيسقط كل من لا يحقق تلك المطالب، ومباشرة. وتحقيقها يعني مصادرة الأموال المنهوبة، وأموال “رجال الأعمال الجدد” التي تراكمت باستغلال السلطة، أو نهب أملاك الشعب. كثيرون صاروا “رجال أعمال” نتيجة نهب “القطاع العام” وأرض الدولة، والسمسرة مع الطغم المالية العالمية، لتسهيل حركة “الاستثمارات قصيرة الأجل”، أي التي تنشط في المضاربة في البورصة، أو في العقارات والنشاط البنكي، لتنهب وترحل سريعاً.
في الذكرى الرابعة، يجب أن يكون واضحاً أن المطلوب تحقيق تغيير عميق في الاقتصاد لمصلحة اقتصاد منتج. وفي الدولة، لكي يجري التخلي عن “سياسة قمعية” معادية للشعب، نشأت عليها الأجهزة. ودولة ممركزة تمارس القهر لمصلحة دولة علمانية ديمقراطية، تطلق كل الحريات، وحق الاضراب والتظاهر، والتنظيم النقابي الحقيقي.
الدولة القائمة هي شكل مصالح الطبقة المسيطرة اقتصادياً، والقائمة على النهب والفساد. وأسست المجتمع الذي ثار عليها في 25 يناير. الآن، على المجتمع أن يفرض دولته التي تحقق مطالبه، وتسمح له بأن يكون السلطة الفعلية. لا تفيد الحلول الجزئية، أو توهم حل ممّن صنع الأزمة المجتمعية. وأيضاً، ليس من الممكن أن يتوقف الحراك الذي بدأ بثورة في 25 يناير، قبل أن يصل إلى ذلك. الشعب تمرّد، يريد تحقيق مطالبه، وهذا يفرض تغييراً عميقاً يقطع مع السياسات السابقة، الاقتصادية والمجتمعية، والسياسة بمعناها العام. بديل آخر هو الضرورة، حكم طبقات أخرى هو الضرورة.
فتحت ثورة 25 يناير، ككل الثورات العربية، الأفق لثورة مستمرة، وضع ثوري يمكن أن يتفجّر في كل لحظة. هذا هو الوضع بالضبط، من دون أن يكون للسلطة مقدرة على كبح الوضع، أو قمعه. إذن، علينا أن نودع الماضي، وأن نفتح أفقاً لعالم جديد.
العربي الجديد _ وطن اف ام