إذا أعطيت عملا حسابيا كي تحله، ماذا تفعل؟ تحاول مرة، ثم مرتين، ثم ثلاثا. وعندما تتأكد من عجزك، تضعه جانبا. حاولت منذ 2011 أن أفهم مما تتألف المعارضة السورية. رأيت في البداية أسماء لامعة وأسماء موثوقة وأهل علم وسيدات محترمات. ثم راح العقد يتناثر. ولم نعد نفهم من هو الائتلاف الوطني، ومن هو الائتلاف الثوري. ولا لماذا يتغير الرؤساء كل فترة، بدل أن يبقى أحدهم رمزا وثقة. ثم رأينا المعارضة تتوزع على العواصم ما بين واشنطن ولندن والقاهرة وإسطنبول.
وأضيف إليها معارضة غامضة تزور موسكو عندما يكون الطقس معتدلا والتلفزيون جاهزا. وكان قد ظهر شيء يسمّى «معارضة الداخل» من قبيل لزوم ما لا يلزم.
اتفقت جميع هذه المعارضات على أن تعارض، واختلفت على أن تتفق، أو تلتقي، أو أن تشكّل جسما مشتركا من الرأس والأطراف. وفيما هي تختلف، تغيّرت الصورة، وصارت المعارضة صنو «داعش» وجبهة النصرة والتنظيمات المتطرفة الأخرى. وتناقص «أصدقاء سوريا»، ثم تفرّقوا، ثم تلاشوا. وتلاشت مؤتمرات جنيف لتحل محلها مؤتمرات موسكو التي تُعقد بمن حضر. ولا شيء يوصل أو يفضي إلى شيء. مثل موسكو مثل جنيف. مثل كوفي أنان. مثل ستيفان دي ميستورا. مثل إردوغان رئيس الوزراء. مثل إردوغان رئيس الجمهورية. مثل بوتين رئيس الحكومة. مثل بوتين رئيسا للاتحاد.
لا شيء يتغير، ولا، خصوصا، مأساة الشعب السوري. كل شيء يتلاشى، إلا مأساته تزداد هولا وضخامة وفجيعة. الأمم المتحدة أحالت قضيّتهم إلى الفيتو. والفيتو أحالها على جنيف 1. وجنيف 1 أحالها على جنيف 2. وهيلاري كلينتون أحالتها على جون كيري. وجون كيري أحالها على رحابة صدر لافروف وسعة قلبه. وبعدما احتكرت موسكو حق النقض وحق التأويل، أعطيت، أو سلمت حق النص والإملاء.
في غضون ذلك (كله في غضون ذلك) أغلقت الأمم المتحدة مجلس الأمن، وفتحت مفوضية اللاجئين، وراحت تحصي أعدادهم. ولم تعد قضية بلد، بل «قضية إنسانية»، أي بطانيات وحصص أرز وسكر. وفيما يغطي الخراب والدمار كل سوريا يقترح عليها دي ميستورا ما اقترحه علينا هنري كيسنجر من قبل: خطوة.. خطوة. حلب، فالرقة، فالقامشلي. خذوا وقتكم، ففي العجلة الندامة وفي التأنّي السلامة. لم يبلغ عدد الضحايا المليون حتى الآن. والنظام يتأمل 4 سنوات من الصراع ويتشفّى ويشمت. صحيح أنه خسر سوريا، لكنه ربح المعركة.
الشرق الأوسط _ وطن اف ام