مقالات

بيار عقيقي: أبعد من “الكورنيت”

انتهى الوضع في جنوب لبنان حتى إشعار آخر، بعد عملية حزب الله ضد الاحتلال الإسرائيلي يوم الأربعاء. يُمكن، الآن، الاطمئنان إلى أن الحدود الجنوبية للبنان مع فلسطين المحتلة ستبقى هادئة.

لا يعود الفضل للقوات الدولية (يونيفيل)، ولا للانتخابات الإسرائيلية المرتقبة في مارس/آذار. بل يعود ذلك كله إلى ما حدث في شبه جزيرة سيناء المصرية، ليل الخميس ـ الجمعة الماضي، عبر الهجوم المتزامن لتنظيم “ولاية سيناء” على مقرّات أمنية مصرية، وسقط ضحيته أكثر من 150 قتيلاً وجريحاً. بالنسبة إلى الإسرائيليين، فإن وجود “داعش” هناك، قد يُبدّل من سلّم أولوياتهم. تنظيم “ولاية سيناء”، ليس تفصيلاً. انتقل من مجرّد تنظيم “أنصار بيت المقدس”، متخذاً اسمه الحالي، إلى قوة يتكل عليها “الخليفة” أبو بكر البغدادي، لشقّ الطريق نحو شمال أفريقيا، وربط مصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب بشبكة واحدة تحت اسم “الخلافة الإسلامية”.
استهدف التنظيم كسب تعاطف أهل سيناء لسببين، أولهما استغلال اصطدام الجيش والقوى الأمنية المصرية بـ “الشعب السيناوي”، وثانيها تدمير الجيش المصري أنفاق حركة حماس في رفح. مع العلم أن بيئة سيناء قد تكون مناهضة لأفعال القوى الأمنية والنظام المصري، لكنها لم تصل إلى حدّ مبايعة “ولاية سيناء” التي ستفرض أولوياتها، في النهاية، على حساب أولويات الأهالي، وتسمح للنظام المصري في التأكيد على أنه “يحارب الإرهاب”، كما أعلن أكثر من مرة. تماماً كما حصل في مدينة درعا السورية، في 15 مارس/آذار 2011.
هنا، يخشى الإسرائيليون من تمدّد التنظيم، ويخشون أكثر في حال تمكّن من “إلغاء” الحدود بين قطاع غزة وسيناء، في صورة شبيهة لما حصل عند إلغاء “داعش” الحدود العراقية ـ السورية. ويتعاظم هذا السيناريو، في ظلّ تلقي “داعش” ضربات مؤلمة، في عين العرب السورية الحدودية مع تركيا التي فشل في السيطرة عليها بعد أشهر من المعارك، وتراجع مندحراً. كما تلقّى ضربات مماثلة في محافظة ديالى العراقية، ما أفسح المجال لبدء الحديث عن إمكانية “تحرير” العراق وسورية “سريعاً” من التنظيم. مع العلم أن “داعش”، حشد العديد من قواته على الحدود الشرقية من لبنان، بعد تصفية، وإزاحة عدة قوى عسكرية في جرود منطقة القلمون السورية المقابلة لجرود عرسال اللبنانية، ما يُشير إلى أن احتمال توسيع رقعة المعارك، وفتح جبهات جديدة، تبقى من أهدافه الأساسية، بغية التخفيف عن الضغط المستمر على مدينتي الموصل العراقية، والرقة السورية، معقلاه الأساسيان.
ومسألة “إلغاء الحدود”، بين رفح وغزة تبقى من أهم النقاط المزعجة للإسرائيليين. لكن، أيضاً، لحركة “حماس”، التي بطبيعة الحال، لن تُسلّم رقبتها لـ “داعش”، عكس محاولات رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وضع الحركة في خندق واحد مع “داعش”، لتبرير كل عدوان يشنّه على القطاع. وضع “حماس”، وبالتالي غزة، سيكون دراماتيكياً في المرحلة المقبلة، وهو ما يفسّر تأخير كل الملفات التي تمّ الاتفاق عليها مع الحكومة الفلسطينية، وتأخير تنفيذ مقررات مؤتمر “إعادة الإعمار” الذي عُقد في القاهرة، في الخريف الماضي. إذ يفيد الإسرائيليين تأخيرُ كل ما من شأنه تسهيل الحياة الطبيعية في غزة، لضرب “حماس”، ولنموّ بيئة مؤيدة لـ “داعش”.
يرغب الإسرائيليون في “الانضمام” إلى “التحالف الدولي” ضد “داعش”، ضمن جدول أعمال محدّد لهم اسمه غزة. بالنسبة إليهم، قد يُدشّن أي تحالف إقليمي صفحة جديدة في التعامل مع العرب وإيران. ومعه، يبقى “الكورنيت” الذي أودى بحياة جنديين إسرائيليين مجرّد تفصيل، تماماً كما حصل يوم فجّرت حركة أرغون فندق الملك داود في القدس المحتلة في 1946. وقتها، قتلت الحركة من اليهود أكثر مما قتلت من البريطانيين، لكنها “نجحت” في التأسيس لإنشاء دولة إسرائيل. جنديان مقابل غزة؟ لم لا؟

العربي الجديد _ وطن اف ام 

زر الذهاب إلى الأعلى